مجلس الأمن يدين أعمال العنف في الساحل السوري
أصدر مجلس الأمن الدولي بياناً رئاسياً بالإجماع يدين أعمال العنف واسعة النطاق التي شهدتها منطقة الساحل السوري مؤخراً، وذلك بعد صياغة مشتركة قامت بها الولايات المتحدة وروسيا. يُعد هذا البيان خطوة مهمة في الموقف الدولي تجاه الأزمة السورية، حيث يسلط الضوء على القلق المتزايد من التصعيد الطائفي والهجمات على المدنيين ويدعو إلى اتخاذ تدابير حاسمة لحماية جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية. كما يطالب البيان بإجراء تحقيقات شفافة ومحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف التي أدت إلى مقتل المئات من المدنيين في محافظتي اللاذقية وطرطوس.
تفاصيل البيان الرئاسي ومضمونه
اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع بياناً رئاسياً صاغته كل من الولايات المتحدة وروسيا، وتم الموافقة عليه رسمياً يوم الجمعة الموافق 14 مارس 2025. وأدان البيان بشدة الهجمات التي استهدفت البنية التحتية المدنية وخاصة المستشفيات في سوريا، مما يعكس الإجماع الدولي على رفض العنف الذي يستهدف المرافق الحيوية للسكان المدنيين.
وعبر المجلس عن القلق البالغ إزاء تأثير العنف على تصاعد التوتر الطائفي في سوريا، الأمر الذي قد يهدد بتعميق الانقسامات الاجتماعية والطائفية في البلاد. ويدعو البيان جميع الأطراف في سوريا إلى الوقف الفوري لأعمال العنف والتحريض، وضمان حماية المدنيين والبنية التحتية الأساسية التي تخدمهم.
كما حث البيان السلطات السورية على اتخاذ تدابير حاسمة للتصدي للتهديد الذي يشكله المقاتلون الإرهابيون الأجانب، مشدداً على التزامات سوريا بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب. وأكد المجلس في بيانه على ضرورة قيام السلطات السورية المؤقتة بحماية جميع السوريين بغض النظر عن عرقهم أو دينهم، وهو ما يعكس القلق الدولي من الطابع الطائفي للعنف الذي شهدته مناطق الساحل السوري.
خلفية أحداث العنف في الساحل السوري
شهدت منطقة الساحل السوري، التي تقطنها أغلبية من الطائفة العلوية، موجة من العنف الطائفي في الأيام الأخيرة. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قُتل 1383 مدنياً على الأقل، غالبيتهم العظمى من الطائفة العلوية، جراء أعمال العنف التي شهدتها المنطقة منذ السادس من مارس/آذار الجاري.
وتوضح التقارير أن الأحداث الدامية اندلعت عندما دارت معارك عنيفة بين قوات الأمن العام وعناصر تابعة لقوات النظام السابق. وأعلنت إدارة الأمن العام السوري سقوط قتلى ومصابين في صفوف قواتها في هجمات شنتها مجموعات من فلول النظام السابق في جبلة وريفها. كما أعلن الأمن العام السوري اعتقال مجموعات غير منضبطة بسبب ارتكابها انتهاكات بحق المدنيين.
وذكرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء الماضي أن عائلات بأكملها، بما في ذلك نساء وأطفال، قتلت في طرطوس واللاذقية كجزء من سلسلة من عمليات القتل الطائفية التي نفذتها جماعات متنافسة. وفي يوم الاثنين الماضي، أعلنت وزارة الدفاع السورية انتهاء العمليات العسكرية في منطقة الساحل السوري، في محاولة لاستعادة السيطرة على الوضع الأمني المتدهور.
موقف الرئيس السوري والتحقيقات الجارية
أعرب الرئيس السوري أحمد الشرع عن قلقه العميق إزاء أعمال العنف التي شهدتها منطقة الساحل، معتبراً أن عمليات القتل الجماعي لأفراد من الطائفة العلوية تشكل تهديداً لمهمته في توحيد البلاد. وتعهد الشرع بمعاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم بمن في ذلك حلفاؤه إذا لزم الأمر، مشدداً على أن “سوريا دولة قانون، القانون سيأخذ مجراه مع الجميع. قاتلنا للدفاع عن المظلومين ولن نقبل أن يراق أي دم ظلماً أو يمر من دون عقاب أو محاسبة، حتى إن كان أقرب الناس إلينا”.
وتم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أعمال العنف بمنطقة الساحل السوري، والتي تعهدت بملاحقة الجناة ومعاقبتهم، مؤكدة أنها ستقدم نتائجها للرئاسة في خلال شهر. هذه الخطوة تتماشى مع مطالب مجلس الأمن الدولي الذي دعا في بيانه إلى “إجراء تحقيقات سريعة وشفافة ومستقلة وفقاً للمعايير الدولية لضمان تقديم جميع الجناة بسوريا للعدالة”.
الإجراءات المستقبلية والدعم الدولي
أكد مجلس الأمن في بيانه على الحاجة الماسة إلى تقديم دعم دولي إضافي للمدنيين المحتاجين في أنحاء سوريا على وجه السرعة. كما أشار إلى ضرورة الالتزام باحترام حقوق الإنسان في جميع الظروف وضمان معاملة إنسانية لمن استسلم أو ألقى سلاحه.
في السياق ذاته، أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف يوم الثلاثاء الماضي، على أن روسيا ترغب في رؤية سوريا دولة موحدة ومزدهرة ومتطورة وشفافة وصديقة. كما أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أمله في تشكيل حكومة وحدة وطنية في سوريا، مشدداً على أن الوضع هناك لا يزال خطيراً.
من جانبه، شدد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف على ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة بمشاركة جميع الطوائف العرقية والدينية في سوريا، وهو ما يتماشى مع دعوات مجلس الأمن لضمان حماية جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم.
أهمية البيان في سياق الأزمة السورية
يأتي بيان مجلس الأمن في وقت حساس من تاريخ الأزمة السورية، حيث يشكل إجماعاً دولياً نادراً بين القوى الكبرى، وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا، اللتين تتبنيان عادة مواقف متباينة تجاه القضية السورية. هذا التوافق يعكس القلق المشترك من تداعيات العنف الطائفي على استقرار سوريا والمنطقة.
كما يؤكد البيان على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها، داعياً جميع الدول إلى احترام هذه المبادئ والامتناع عن أي عمل أو تدخل من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار سوريا. هذا التأكيد يأتي في ظل المخاوف من تعميق الانقسامات الداخلية في سوريا وتأثيرها على العملية السياسية والإنسانية في البلاد.
ويبقى التحدي الرئيسي أمام السلطات السورية المؤقتة هو تنفيذ التوصيات والمطالب الواردة في بيان مجلس الأمن، وخاصة فيما يتعلق بإجراء تحقيقات شفافة ومستقلة، ومحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف، وضمان حماية جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية. هذه الخطوات من شأنها أن تسهم في تعزيز الاستقرار وبناء الثقة بين مختلف مكونات المجتمع السوري، وتمهد الطريق لعملية سياسية شاملة تحقق تطلعات جميع السوريين.
يمثل بيان مجلس الأمن الدولي بشأن إدانة العنف في الساحل السوري خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار في سوريا والتصدي للعنف الطائفي الذي يهدد وحدة البلاد. ويتضمن البيان دعوات واضحة للسلطات السورية المؤقتة لاتخاذ إجراءات حاسمة لحماية المدنيين ومحاسبة مرتكبي الجرائم وتعزيز المصالحة الوطنية.
وتبقى التحديات كبيرة أمام سوريا في ظل استمرار الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، مما يتطلب جهوداً مكثفة من جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لدعم مسار السلام والاستقرار في البلاد. ويعكس التوافق الأمريكي-الروسي على صياغة البيان إمكانية تحقيق تقدم في المسار السياسي السوري إذا توفرت الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية.