الولايات المتحدة تتجه نحو استعادة النفوذ العسكري على قناة بنما: ترامب يكلف البنتاغون بتقديم خيارات عسكرية
كشفت تقارير إعلامية حديثة أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلبت من البنتاغون تقديم خيارات عسكرية لضمان وصول الولايات المتحدة بحرية إلى قناة بنما، في خطوة تعكس توجهاً أمريكياً متصاعداً لاستعادة النفوذ على هذا الممر المائي الاستراتيجي. تأتي هذه التطورات وسط مزاعم أمريكية بوجود نفوذ صيني متزايد في المنطقة، وتصريحات متكررة من ترامب منذ توليه السلطة في يناير 2025 حول ضرورة “استعادة” القناة التي كانت خاضعة للإدارة الأمريكية في السابق.
التفاصيل الرسمية للتكليف الأمريكي
أفادت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية يوم الخميس الموافق 13 مارس 2025، نقلاً عن مذكرة موجهة لقادة كبار، بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب طلبت من مسؤولي وزارة الدفاع “البنتاغون” وضع “خيارات عسكرية مقنعة” لضمان وصول الولايات المتحدة بحرية إلى قناة بنما. وعبّر ترامب مراراً منذ توليه منصبه في يناير الماضي عن رغبته القوية في استعادة السيطرة الأمريكية على هذا الممر المائي الحيوي. تعتبر هذه الخطوة تصعيداً ملحوظاً في لهجة الإدارة الأمريكية تجاه بنما، خاصة وأن ترامب لم يستبعد صراحةً استخدام القوة العسكرية للاستيلاء على القناة.
يأتي هذا التكليف بعد شهر من تحذير أطلقه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في فبراير الماضي، حيث حذّر بنما من تحرّك أمريكي ضدها ما لم تجرِ “تغييرات فورية” على صلة بالقناة، معتبراً أن بنما انتهكت معاهدة التسليم. وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس أن روبيو أبلغ الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو بأن “الوضع الراهن غير مقبول وأنه إذا لم تجرَ تغييرات فورية، فإن الأمر سيتطلب من الولايات المتحدة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حقوقها بموجب المعاهدة”.
الخلفية التاريخية والاستراتيجية لقناة بنما
تمثل قناة بنما أحد أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، حيث تربط المحيطين الأطلسي والهادئ، وقد كانت تحت الإدارة الأمريكية لعقود طويلة قبل أن تنتقل سيطرتها إلى بنما. منذ العام 2000، تدير هيئة قناة بنما، وهي مؤسسة مستقلة يعين الرئيس البنمي والبرلمان أعضاء مجلس إدارتها، القناة التي يمر عبرها نحو 5 بالمئة من التجارة العالمية. تعود فكرة إنشاء القناة إلى جهود أمريكية بذلت في أوائل القرن العشرين، وقد ظلت تحت الإدارة الأمريكية حتى تم نقل السيطرة عليها إلى بنما خلال عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.
تكمن أهمية القناة في كونها تختصر الرحلة البحرية بين الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة بآلاف الأميال، وتوفر طريقاً حيوياً للتجارة العالمية. يقدر الخبراء الاقتصاديون أن الاستحواذ على البنية التحتية للموانئ العالمية يؤدي إلى إعادة تشكيل موازين القوى الدولية، ما يؤثر بشكل كبير على العلاقات بين الدول الكبرى في المستقبل، وهو ما يفسر الاهتمام الأمريكي المتجدد بقناة بنما.
مزاعم النفوذ الصيني ودوافع التحرك الأمريكي
تعتمد الإدارة الأمريكية في تبريرها للتدخل المحتمل على مزاعم بوجود نفوذ صيني متزايد في قناة بنما. ففي خطاب تنصيبه في يناير 2025، تعهد ترامب بـ”استعادة” القناة، زاعماً أن الصين “تديرها”. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أنه في الواقع لا تسيطر الصين فعلياً على القناة، بل تسعى لتعزيز نفوذها الاقتصادي في أمريكا اللاتينية، وهو ما تعتبره واشنطن تهديداً محتملاً.
أبلغ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الرئيس البنمي بأن الرئيس ترامب “اتخذ قراراً أولياً بأن الوضع الراهن في ما يتصل بنفوذ الحزب الشيوعي الصيني وسيطرته على منطقة قناة بنما يشكل تهديداً للقناة وانتهاكاً للمعاهدة المتعلقة بالحياد الدائم وتشغيل قناة بنما”. ويبدو أن القلق الأمريكي يتزايد مع التقارب المستمر بين الصين وبنما ودول أخرى في أمريكا الوسطى، حيث أكد الخبير الاقتصادي بيتر تانوس أن ترامب لن يتوقف عن السعي لتعزيز النفوذ الأمريكي هناك في ظل هذا التقارب.
الموقف البنمي والتفاعلات الدبلوماسية
رداً على التصريحات والتهديدات الأمريكية، اعتبر الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو أنه لا يرى أي تهديد جدي بسيطرة الولايات المتحدة عسكرياً على قناة بنما، وقال: “لا أشعر بأن هناك أي تهديد حقيقي في الوقت الراهن ضد المعاهدة أو صلاحيتها ولا حتى باستخدام القوة العسكرية للاستيلاء على القناة”. كما اقترح مولينو إجراء محادثات “تقنية” لمعالجة هواجس الولايات المتحدة المتصلة بالقناة، محاولاً تهدئة التوتر الدبلوماسي المتصاعد.
أثارت زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لبنما مزيداً من الجدل، خاصة بعدما أعلن الحساب الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية على منصة “إكس” أن السفن الحربية الأمريكية ستتمكن من استخدام القناة مجاناً، وهو ما نفاه مولينو بشدة، مؤكداً عدم وجود اتفاق جديد بهذا الشأن. كما نفى رئيس بنما أن تكون الولايات المتحدة قد هددت بإلغاء معاهدة تشغيل القناة، في محاولة للتخفيف من حدة التصعيد الإعلامي المصاحب للأزمة.
تحليلات الخبراء والرؤى المستقبلية
تباينت آراء الخبراء والمحللين حول التوجه الأمريكي الجديد نحو قناة بنما. فمن جهة، يرى موقع “ناشيونال إنترست” أن هذا الملف يكشف عن نزعة إمبريالية أمريكية تتخفى وراء حماية المصالح الأمنية. وفي المقابل، اقترح أستاذا القانون جون يو وروبرت ديلاهونتي إحياء “مبدأ مونرو” لمنع نفوذ أي دولة خارجية في الأمريكتين، معتبرين القوة العسكرية خياراً متطرفاً لكنه ممكن.
أما جيمس جاي كارافانو من مؤسسة “هيريتيج” فيرى أن المواجهة مع النفوذ الصيني لا تعني بالضرورة تأسيس إمبريالية أمريكية، بل حماية المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة. من جهته، أكد ماوريسيو كلافير كاروني، المبعوث الخاص لترامب إلى أمريكا اللاتينية، في مقابلة مع “بوليتيكو”، أن الإدارة تسعى لترسيخ “المصداقية” عبر الحديث العلني عن استعادة القناة، دون استبعاد استخدام القوة.
ومع ذلك، حذر ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية، من أن الدبلوماسية القائمة على التهديد قد تدفع الدول الضعيفة، مثل بنما، للجوء إلى الصين، مما يعزز نفوذ الأخيرة على المدى البعيد، وهو ما قد يأتي بنتائج عكسية للمصالح الأمريكية.
التداعيات المحتملة والمسارات المستقبلية
يشير التصعيد الأمريكي الحالي إلى احتمال دخول العلاقات الأمريكية البنمية مرحلة من التوتر غير المسبوق منذ تسليم القناة لبنما. وتتراوح السيناريوهات المستقبلية بين التوصل إلى تسوية دبلوماسية تراعي مصالح الطرفين، وبين تصاعد التوتر ليصل إلى مرحلة المواجهة المباشرة، خاصة في ظل عدم استبعاد ترامب للخيار العسكري.
إن تطور الأحداث في هذا الملف سيعتمد بشكل كبير على مدى استجابة بنما للضغوط الأمريكية، ومدى تصميم إدارة ترامب على المضي قدماً في خططها. كما أن الموقف الصيني من هذه التطورات سيلعب دوراً محورياً في تشكيل المشهد، خاصة وأن بكين قد تنظر إلى التحركات الأمريكية كتهديد مباشر لمصالحها المتنامية في أمريكا اللاتينية.
خلاصة
تمثل قضية تكليف البنتاغون بتقديم خيارات عسكرية تتعلق بقناة بنما نموذجاً للتحولات الجيوسياسية المتسارعة في السياسة الخارجية الأمريكية تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب. إن مزاعم النفوذ الصيني والتهديدات الأمريكية والردود البنمية تعكس صورة مصغرة للتنافس العالمي بين القوى الكبرى على مناطق النفوذ. مع استمرار تطور الأزمة، يبقى السؤال الأهم: هل ستختار الولايات المتحدة منطق القوة أم الدبلوماسية في تعاملها مع هذا الملف الاستراتيجي؟