رئيس الحكومة الليبية المكلفة يرفض قطعيًا توطين المهاجرين ردًا على تصريحات الدبيبة
في موقف حازم وصريح، أكد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد رفض ليبيا القاطع لأي محاولات لتوطين المهاجرين غير الشرعيين تحت أي مبرر أو ذريعة. جاءت هذه التصريحات ردًا مباشرًا على تصريحات رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، محذرًا من أن هذه الخطوة ما هي إلا تمهيد لفرضهم كأمر واقع، وهو ما لن يُسمح به مطلقًا.
موقف صارم ضد مشروع التوطين
خلال اجتماع أمني موسع عقده مساء الجمعة 14 مارس 2025 مع الوزراء ورؤساء الأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة الهجرة غير النظامية، شدد حماد على أن الحديث عن إنشاء مناطق سكنية خاصة بالمهاجرين خارج المدن هو البداية الفعلية لفرض واقع جديد في ليبيا. وأضاف أن أي حديث عن “تنظيم بقائهم” داخل البلاد هو محاولة لتمرير مشروع توطينهم بطريقة غير مباشرة.
وقال حماد: “ليبيا ترفض رفضًا قاطعًا أي محاولات لتوطين المهاجرين غير الشرعيين تحت أي مبرر أو ذريعة، أو بحجة تنظيم بقاء الموجودين حاليًا بشكل غير شرعي داخل البلاد كأمر واقع”. واتهم حكومة الدبيبة بالترويج لأفكار خطيرة فيما يخص ملف الهجرة، معتبرًا أن تصريحاتها ليست إلا محاولة لتمرير مشروع التوطين بطريقة غير مباشرة.
كما أعرب عن استغرابه من الصمت الدولي، وخاصة بعثة الأمم المتحدة، تجاه هذه التصريحات، متسائلًا عن سبب عدم إدانتها لهذه الطروحات التي تمس سيادة ليبيا وأمنها القومي.
برامج العودة الطوعية كبديل للتوطين
أوضح رئيس الحكومة المكلفة أن الحل الحقيقي لأزمة الهجرة لا يكمن في استيعاب المهاجرين داخل ليبيا، بل في إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية عبر برامج العودة الطوعية، مؤكدًا أن حكومته تعمل على تنفيذ هذه البرامج بالتنسيق مع الجهات الدولية، مع احترام حقوق المهاجرين وضمان سلامتهم.
وشدد حماد على “ضرورة البدء في تنفيذ برامج العودة المنظمة إلى بلدانهم، بما يضمن احترام إنسانيتهم وحمايتهم من مخاطر خطوط ومسارات الهجرة غير النظامية”. وأشار إلى أن حكومته، بالتنسيق مع القيادة العامة، “عملت بالفعل على إعادة أعداد كبيرة من المهاجرين إلى بلدانهم بطرق تحترم إنسانيتهم وتضمن عدم تعرضهم لأي انتهاكات”.
جهود تأمين الحدود ومكافحة التهريب
أكد حماد أن القوات المسلحة الليبية، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية المختصة، تواصل تأمين الحدود الجنوبية وملاحقة عصابات التهريب والجريمة المنظمة. وأشار إلى أن العمليات الأمنية الأخيرة أسفرت عن تفكيك العديد من أوكار التهريب وضبط عناصر متورطة في الاتجار بالبشر والمخدرات.
ولفت إلى قيام القوات التابعة للقيادة العامة “بحماية الحدود، حيث شنت حملات مكثفة ضد عصابات تهريب البشر والمخدرات وتحرير العديد من المحتجزين بالإضافة إلى القضاء على الشبكات الإجرامية، وأوكار العصابات، التي أسفرت عن تدمير المواقع المصنفة وتدمير الأسلحة والمخدرات المهربة”.
تحذير من أي تحرك عسكري في الجنوب
وجّه حماد تحذيرًا صريحًا من أي محاولة تحرك عسكري في الجنوب من قبل حكومة الوحدة، معتبرًا أن الحدود الجنوبية مؤمنة بالكامل، وأي تحرك تحت ذريعة تأمينها سيُعتبر خطوة تصعيدية ستواجه بالردع المناسب.
كما دعا الشعب الليبي إلى عدم الانجرار وراء هذه التحركات المشبوهة التي تهدف إلى خلق توترات أمنية غير مبررة. وأكد أن “التعليمات الصادرة إلى كافة الأجهزة الأمنية واضحة وصريحة بعدم استخدام القوة ضد المهاجرين غير النظاميين، وأن أي دعوات لممارسة العنف ضدهم هي دعوات غير مسؤولة ومرفوضة”.
التعامل الإنساني مع أزمة المهاجرين
استعرض حماد جهود حكومته في التعامل مع ملف المهاجرين، موضحًا أنها “عملت على تأمين أماكن الإيواء المناسبة للمهاجرين، وتوفير الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء، ومنع استغلالهم من قبل شبكات تهريب البشر”.
ونبه رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب إلى “أن هذا التعامل الإنساني مع اللاجئين لا يعني القبول بأي إجراءات قد تمهد لتوطينهم في ليبيا، بل يهدف إلى تقديم المساعدة لهم حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم عند استقرار الأوضاع في بلادهم”.
وأشار حماد إلى أن القوات التابعة للقيادة العامة “لعبت دورًا محوريًا في دعم جهود الحكومة في التعامل مع تدفق اللاجئين السودانيين الذين فروا إلى ليبيا نتيجة الحرب في بلادهم”.
تداعيات القضية على المشهد السياسي الليبي
تأتي هذه التطورات في ظل جدل واسع يشهده الشارع السياسي الليبي حول قضيتي “التوطين” و”الأقاليم”، حيث نظمت مظاهرة في طرابلس ضد “توطين المهاجرين”، كما أعلنت كتلة “التوافق” بمجلس الدولة رفضها لاتفاقات توطين المهاجرين أو تحويل ليبيا إلى مركز إيواء.
من جانبه، سبق أن صرح رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بأن “ليبيا لن تكون موطنًا للهجرة غير النظامية”، وهو ما يظهر تباينًا في التصريحات بين الطرفين حول هذه القضية الحساسة.
وفي ظل هذه التطورات، يبدو أن ملف الهجرة غير الشرعية قد أصبح ساحة جديدة للصراع السياسي بين الحكومتين المتنافستين في ليبيا، مما قد يزيد من تعقيد المشهد السياسي في البلاد.
خلاصة المشهد السياسي الليبي وأزمة المهاجرين
يتضح من هذه التطورات أن قضية توطين المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا قد أصبحت محور صراع جديد بين السلطات المتنافسة في البلاد. فمن جهة، تتمسك حكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان بموقفها الرافض تمامًا لأي مشروع للتوطين، وتؤكد على أن الحل يكمن في العودة الطوعية للمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية. ومن جهة أخرى، يبدو أن هناك تباينًا في مواقف حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، وهو ما أثار حفيظة الطرف الآخر.
وسط هذه التجاذبات السياسية، يظل المهاجرون غير الشرعيين هم الحلقة الأضعف، حيث يواجهون ظروفًا إنسانية صعبة في ظل الصراعات السياسية والأمنية في ليبيا. ويبقى السؤال قائمًا حول مدى قدرة الأطراف الليبية المختلفة على التوصل إلى حلول مستدامة لهذه الأزمة المعقدة، بما يضمن مصالح ليبيا الوطنية ويحفظ كرامة المهاجرين الإنسانية.