إسرائيل تتأهب لـ”رد انتقامي” من الحوثيين بعد الغارات الأمريكية على صنعاء وصعدة
أفادت مصادر عسكرية إسرائيلية أن تل أبيب تستعد لتنفيذ “رد انتقامي” على جماعة الحوثيين في اليمن، بالتزامن مع الغارات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت صنعاء وصعدة مساء السبت 15 مارس 2025. وتشير التقارير إلى أن الخطوط الحمراء الإسرائيلية أمام استهداف الحوثيين أقل من تلك التي يفرضها حلفاؤها الغربيون على أنفسهم، مما قد يعني توسيعاً لبنك الأهداف ليشمل منشآت حيوية وقيادات عسكرية حوثية بارزة، وسط تصاعد المواجهة بين الطرفين خلال الأشهر الأخيرة.
تصعيد متبادل بين الحوثيين وإسرائيل
تصاعدت وتيرة العمليات المتبادلة بين الحوثيين وإسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، مع زيادة الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي أطلقها الحوثيون باتجاه إسرائيل، وفي إطار ما وصفته الجماعة بـ “المرحلة الخامسة من العمليات المساندة لغزة”.
وقال الدكتور ناحوم شيلوه، زميل باحث في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا التابع لجامعة تل أبيب: “ربما يجري الحوثيون حساباتهم معتقدين أنهم قادرون على تحمل الانتقام الإسرائيلي مرة كل بضعة أشهر مع الاستمرار في مهاجمة إسرائيل”، مشيراً إلى التعقيدات المترتبة على شن ضربات جوية داخل اليمن الذي يبعد حوالي 2000 كيلومتر عن إسرائيل.
وبحسب المحللين الإسرائيليين، فإن الضربات الجوية المضادة التي نفذتها إسرائيل ضد المليشيا اليمنية لم ولن تكون رادعة لها، وهو ما يفرض البحث عن وسائل أخرى لوقف هذه الهجمات، ثم السعي للقضاء على هذه المليشيا كهدف استراتيجي.
استهداف القيادات الحوثية: الخيار المرجح
يرجح محللون أن يكون الرد الإسرائيلي باستهداف قيادات حوثية، تماما كما تقوم إسرائيل منذ فترة باستهداف قيادات من حزب الله ردا على الضربات التي يوجهها الحزب إلى مواقع إسرائيلية على الحدود.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن خيار الهجوم على الأراضي اليمنية مطروح على الطاولة، ويتضمن استهداف مناطق يعتقد أنها تتواجد فيها قيادات عسكرية حوثية عليا، مشيرة إلى أن الغارات الأمريكية الأخيرة على صنعاء وصعدة قد تكون مهدت الطريق لعملية إسرائيلية استهدافية.
الاختلافات بين الاستهداف الإسرائيلي والأمريكي
تختلف نوعية الأهداف الإسرائيلية في اليمن عن تلك التي استهدفتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، والتي ركزت غالبا منذ بدايتها على أهداف عسكرية مباشرة مثل منصات إطلاق الصواريخ المتحركة ومواقع الرادارات وكذلك ضرب مخازن الأسلحة وورش تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة.
في المقابل، وسعت إسرائيل بنك الأهداف ليتضمن منشآت اقتصادية، حيث استهدفت القوات الإسرائيلية مينائي الحديدة والصليف وخزانات الوقود في رأس عيسى ومحطات كهرباء في الحديدة وصنعاء، وضربت أيضا مطار صنعاء الدولي. ومؤخراً، وسعت إسرائيل أهدافها في عمليتها التي شنتها بتاريخ 10 يناير 2025، لتتضمن استهداف دار الرئاسة بصنعاء.
الأبعاد الاستراتيجية للصراع
يمثل الحوثيون اليوم أحد أهم الأذرع الفاعلة فيما يسمى “محور المقاومة”، لا سيما بعد نجاح إسرائيل في تحييد حماس وحزب الله وسقوط نظام الأسد في سوريا، وتراجع عمليات الميليشيات المدعومة من إيران في العراق. مع ترقّبها لمواجهة وشيكة مع إسرائيل والولايات المتحدة، تسعى إيران إلى بقاء الحوثيين كجماعة قادرة على تهديد المصالح الإسرائيلية والغربية، بما في ذلك خطوط الملاحة البحرية.
وتنامت مخاوف إيران مع عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، والمعروف بتبنيه استراتيجية “الضغط الأقصى” ضد إيران. من جهتها، ترى إسرائيل ذلك فرصة لتوجيه ضربة ضد إيران بشكل مباشر مستقبلا، مُعوِّلة على دعم إدارة ترامب.
ردود الفعل المحتملة من الحوثيين
هدد الحوثيون بأنه في حال استهدافهم من قبل إسرائيل سيذهبون إلى المرحلة الخامسة من التصعيد. وكانت المرحلة الرابعة التي أعلن عنها الحوثيون قد انتقلت من استهداف خليج عدن والبحر الأحمر وبحر العرب إلى المحيط الهندي وإيلات، لتشمل البحر المتوسط.
كما تداولت مصادر إعلامية تقارير عن تنفيذ الحوثيين مناورات عسكرية تضمنت سيناريوهات التسلل عبر الأنفاق، والاستيلاء على ثكنات إسرائيلية، واختطاف جنود. وأفادت أنباء عن وصول مقاتلين حوثيين إلى سوريا تحت إشراف الميليشيات الموالية لإيران، مما يشير إلى احتمالية تنفيذ هجوم بري محدود ضد إسرائيل.
الحسابات الإسرائيلية للرد على الحوثيين
تتحول الضربات بين إسرائيل والحوثيين تدريجيا إلى حرب استنزاف، وصراع مُطوّل لا يصب في صالح الطرفين. بالإضافة إلى التداعيات الأمنية والسياسية، يتكبد الجانبان أضراراً اقتصادية فادحة، حيث يخسر الحوثيون موارد مالية هامة مع تدمير المرافق والمنشآت، بينما تتكبد إسرائيل تكلفة مادية عالية لاعتراض صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة.
ويرى محللون أن الحل الإسرائيلي يتطلب مقاربة متعددة المستويات، تتضمن:
- ضرب قيادات حوثية عليا لإحداث ارتباك داخل المنظومة القيادية للجماعة.
- استهداف منشآت عسكرية واقتصادية حيوية لإضعاف قدرة الحوثيين على الاستمرار في شن هجمات.
- تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة والقوات البحرية في المنطقة لاعتراض شحنات الأسلحة القادمة من إيران.
- دراسة إمكانية توجيه ضربة مباشرة لإيران، باعتبارها الداعم الرئيسي للحوثيين.
مع استمرار هجمات الحوثيين على إسرائيل، والتي لم تتوقف رغم الضربات الأمريكية والإسرائيلية، تبدو تل أبيب مصممة على توجيه ضربة انتقامية تستهدف بالدرجة الأولى القيادات العسكرية للجماعة. وقد تكون الغارات الأمريكية على صنعاء وصعدة مساء السبت 15 مارس 2025 فرصة لإسرائيل للانخراط في استراتيجية استهداف مشتركة مع واشنطن في اليمن.
ومع ذلك، تبقى فعالية هذه الضربات محل شك، خاصة مع قدرة الحوثيين على التكيف والصمود في ظل ظروف قاسية خلال سنوات الحرب السابقة. كما أن البعد الجغرافي والتضاريس الوعرة وتحصينات الحوثيين تشكل تحديات كبيرة أمام تحقيق الأهداف الإسرائيلية.
ويبدو أن المواجهة بين الطرفين ستستمر في المدى المنظور، خاصة مع تصميم الحوثيين على الاستمرار في دعم قضية فلسطين من جهة، وإصرار إسرائيل على تحييد التهديدات التي تواجهها من جهة أخرى، في ظل بيئة إقليمية مضطربة وتنافس دولي محتدم على النفوذ في المنطقة.