حكومة جنوب السودان تطلق عملية عسكرية ضد “الجيش الأبيض” في ناصر وتدعو للاعتراف به كتنظيم إرهابي
أعلن المتحدث باسم حكومة جنوب السودان مايكل مكوي اليوم عن إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق ضد “الجيش الأبيض” في مدينة ناصر بولاية أعالي النيل، داعيًا المدنيين إلى مغادرة المدينة والتوجه إلى القرى المجاورة. وأكد مكوي في مؤتمره الصحفي العزم الحكومي على التعامل مع هذه المليشيات بقوة السلاح، مشددًا على تصنيفها كقوات “إرهابية” معادية للاستقرار، كما كشف عن وجود قوات أوغندية ستشارك في العمليات العسكرية وفقًا لاتفاقية التعاون المشترك بين البلدين.
تفاصيل العملية العسكرية في ناصر وتحذيرات للمدنيين
صرح مايكل مكوي، المتحدث الرسمي باسم حكومة جنوب السودان، أن ما جرى في مدينة ناصر صباح اليوم يمثل بداية لعملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف مليشيا “الجيش الأبيض” والقوات المناوئة للحكومة. ويأتي هذا التصريح بعد يوم واحد من تقارير عن هجمات عنيفة شهدتها المدينة في ساعات متأخرة من ليلة أمس وفجر اليوم الاثنين.
وأضاف مكوي في مؤتمره الصحفي: “ننصح ما يسمى بالجيش الأبيض بإخلاء مدينة ناصر فورًا وقواتنا في الطريق”، مشددًا على ضرورة خروج المدنيين من المدينة إلى القرى المجاورة تفاديًا لوقوع إصابات في صفوفهم. وتعكس هذه التصريحات تصعيدًا خطيرًا في المواجهة بين الحكومة والمليشيات المسلحة.
وتشير المعلومات الميدانية إلى أن الاشتباكات المسلحة في مقاطعة ناصر الحدودية مع إثيوبيا بدأت في وقت مبكر من صباح أمس الاثنين، حيث أفادت مصادر محلية أن قوات دفاع شعب جنوب السودان قامت بقصف المنطقة وإضرام النيران في العديد من المباني. ويأتي هذا القصف كأول رد فعل عسكري بعد هزيمة سابقة تلقتها هذه القوات أثناء محاولتها دخول المقاطعة قبل أسبوعين.
الوضع الإنساني المتدهور وسقوط ضحايا مدنيين
وفي ظل تصاعد العمليات العسكرية، أكد تير شول قاتكوث، أحد قادة الشباب في ناصر، أن العنف تسبب في سقوط ضحايا من المدنيين ونزوح العديد إلى المناطق المحيطة بحثًا عن الأمان. وقال في تصريح لراديو تمازج: “أخبرنا جنود الحكومة أمس أنه لن يكون هناك قتال، ووافقنا، وعاد السكان، لكن من القريب أنهم بدأوا صباح الاثنين في قصفنا في المدينة برشاشاتهم والطائرات”.
ولم يتم حتى الآن الإعلان الرسمي عن عدد القتلى والمصابين، في حين أكد قاتلواك ليو، محافظ مقاطعة الناصر، استمرار القتال، مع امتناعه عن تقديم مزيد من التفاصيل مشيرًا إلى حاجته لمزيد من المعلومات.
المطالبة بتصنيف “الجيش الأبيض” كجماعة إرهابية
شدد المتحدث باسم الحكومة مكوي على ضرورة اعتبار مليشيا “الجيش الأبيض” وقوات دفاع “ناث” قوات “إرهابية”، مطالبًا الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة باتخاذ قرار بهذا الشأن. وأكد: “سنتبع الإجراءات القانونية المطلوبة حتى يتم تصنيف الجيش الأبيض وقوات دفاع ناث باعتبارهما قوات معادية للاستقرار في البلاد”.
وأوضح مكوي أن الحكومة تتعامل مع قوتين مختلفتين في ناصر تحت مسميات “الجيش الأبيض” و”قوة دفاع ناث”، مؤكدًا عزم الحكومة على التعامل معهما بقوة السلاح. ويعكس هذا التصريح تصعيدًا في لهجة الحكومة تجاه هذه المجموعات المسلحة.
اتهامات متبادلة وصراع سياسي متصاعد
يندرج هذا التطور في سياق أزمة سياسية متصاعدة بين الحكومة والمعارضة منذ مطلع شهر مارس الجاري. وكان مكوي قد أكد سابقًا في مؤتمر صحفي عقد بمقر وزارة الإعلام أن الحركة الشعبية في المعارضة متورطة في دعم هذه المليشيات.
وذكر مكوي حينها: “أنا هنا لأؤكد أن الحركة الشعبية في المعارضة هي التي اخترقت اتفاق السلام المنشط”، مقدمًا ما وصفها بأدلة تثبت تورط المعارضة في الهجمات، من بينها مقاطع فيديو متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيها المهاجمون وهم يهتفون بشعار “فيفا، فيفا”.
الدور الأوغندي في الأزمة الجنوبية
أكد مكوي في مؤتمره الصحفي وجود قوات أوغندية في جوبا، موضحًا أن هذا الوجود يأتي وفقًا لاتفاق التعاون المشترك بين حكومتي جوبا وكمبالا. وأشار إلى أن القوة الأوغندية “فنية” وستتعاون مع القوات الجنوب سودانية وفق اتفاق الدفاع المشترك.
وتعود جذور التعاون العسكري بين البلدين إلى سنوات سابقة، حيث كشفت نتائج البحث عن توقيع اتفاقية تعاون عسكري في عام 2014 تخول ليوغندا شراء أسلحة ومعدات تكنولوجية بالنيابة عن حكومة جوبا. وكان وزير الدفاع اليوغندي “كول جك” قد صرح آنذاك أن الاتفاقية تأتي في إطار التعاون المشترك.
مزاعم استخدام أسلحة كيميائية والدور الأوغندي
أشارت مصادر لصحيفة المنشر الاخباري إلى باستخدام القوات الحكومية مواد يشتبه في أنها كيميائية يطلق عليها “أسيتات الإيثيل” خلال المواجهات في مدينة الناصر. كما لفتت المصادر أن الطيران الأوغندي هو من قام بإلقاء العبوات على مقاتلي الجيش الأبيض، الأمر الذي يعمق التساؤلات حول طبيعة ومدى التدخل الأوغندي في الصراع.
موقف الحكومة من المعتقلين والعلاقة مع أزمة السودان
أكد مكوي أن حكومة جنوب السودان ستقدم المعتقلين في جوبا إلى المحاكمة، في إشارة إلى العناصر المرتبطة بالاضطرابات الأمنية الأخيرة. وشدد على أن ما يحدث في ناصر ليس له علاقة بما يجري في السودان، في محاولة واضحة لفصل الأزمة الداخلية الجنوب سودانية عن الصراعات في دولة الجوار الشمالي.
وكان المتحدث الرسمي باسم الحكومة قد أكد في تصريحات سابقة أن الأوضاع الأمنية في جوبا تحت السيطرة، مطمئنًا المواطنين بعدم وجود أي تهديدات. وقال حينها: “رسالتي للمواطنين: ناموا ساي، لا توجد أي مشكلة. لقد نشرنا قوات أمنية في العاصمة لضمان استقرار الجميع”.
خلفية الصراع في ناصر
يعود الصراع في مقاطعة ناصر إلى أسابيع عدة، حيث شهدت المنطقة توترات بين قوات دفاع شعب جنوب السودان (SSPDF) والمدنيين المسلحين المعروفين باسم “الجيش الأبيض” الموالي لنائب الرئيس الأول رياك مشار.
وأشارت تصريحات مكوي السابقة إلى أن الحركة الشعبية في المعارضة نفت خلال اجتماع أخير أي علاقة لها بمليشيات “الجيش الأبيض”، رغم تأكيد الحكومة أن هذه المجموعات كانت جزءًا من قوات المعارضة خلال فترة الحرب. وأضاف حينها أن الحركة الشعبية في المعارضة قدمت وعودًا بالتدخل لضمان انسحاب هذه القوات إلى القرى، لتسهيل انتشار الجيش الحكومي في المنطقة.
والتداعيات المستقبلية
تشير التطورات الأخيرة في جنوب السودان إلى احتمال تصاعد الصراع العسكري بين الحكومة والمجموعات المسلحة، خاصة مع تحول لهجة الحكومة نحو المواجهة المباشرة وإطلاق عملية عسكرية ضد “الجيش الأبيض”. كما أن المطالبة بتصنيف هذه المجموعات كـ”إرهابية” تعكس تصعيدًا في الخطاب السياسي والعسكري.
ويثير التدخل الأوغندي المعلن والتعاون العسكري بين البلدين مخاوف من توسع نطاق الصراع وتحوله إلى حرب بالوكالة في المنطقة. في الوقت نفسه، يواجه المدنيون في ناصر وضعًا إنسانيًا متدهورًا مع استمرار النزوح وسقوط ضحايا جراء الاشتباكات المسلحة.
ويبقى السؤال المطروح حول مستقبل اتفاق السلام في جنوب السودان، خاصة مع اتهامات الحكومة للمعارضة بخرق الاتفاق والتورط في دعم المجموعات المسلحة. كما تبرز تساؤلات حول توقيت العملية العسكرية وعلاقتها بالمشهد السياسي الداخلي في البلاد مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة.