اشتعال الاحتجاجات في إسطنبول بعد اعتقال رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو وسط إجراءات أمنية مشددة
اندلعت احتجاجات واسعة في مدينة إسطنبول التركية عقب اعتقال السلطات التركية لرئيس بلدية المدينة أكرم إمام أوغلو، المعارض البارز للرئيس رجب طيب أردوغان، صباح اليوم الأربعاء 19 مارس 2025. وتجمع المئات من المواطنين أمام مقر الشرطة ومبنى بلدية شيشلي احتجاجاً على الاعتقال الذي وصفته المعارضة بـ”الانقلاب السياسي”، فيما سارعت السلطات إلى فرض حظر على التجمعات والمظاهرات في المدينة لمدة أربعة أيام في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي. ويأتي هذا التطور في سياق تصاعد التوتر السياسي في تركيا قبل الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2028، حيث يُعتبر إمام أوغلو أحد أبرز المنافسين المحتملين للرئيس أردوغان.
تفاصيل الاعتقال والتهم الموجهة
أوقفت الشرطة التركية الأربعاء رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو المعارض للرئيس رجب طيب إردوغان، بعد دهم منزله بحضور مئات من عناصر الشرطة، وفقاً لما أفاد به أحد مساعديه لوكالة فرانس برس. وأظهر بث مباشر لقناة “سي.إن.إن ترك” وجود العشرات من قوات الأمن أمام منزل إمام أوغلو، حيث كانت الشرطة تقوم بتفتيش المنزل في إطار التحقيق.
وقد أصدرت النيابة العامة التركية أوامر اعتقال بحق إمام أوغلو ونحو 100 شخص آخر، ووجهت لهم تهماً تشمل تزعّم منظمة إجرامية والرشوة والتلاعب في المناقصات ومساعدة منظمة إرهابية. وقبل اعتقاله بيوم واحد، قامت جامعة اسطنبول بإبطال شهادة إمام أوغلو، معتبرة أنه نالها من دون وجه حق.
وفي آخر منشور له على منصة “إكس” قبل اعتقاله، كتب إمام أوغلو: “مئات عناصر الشرطة وصلوا إلى منزلي. أسلّم نفسي إلى الشعب”، وأضاف “الشرطة تداهم منزلي، إنهم يطرقون باب منزلي.. أثق في أمّتي”. كما أكد في وقت لاحق أنه لن يستسلم، وسيواصل صموده في وجه الضغوط.
الإجراءات الأمنية المشددة وحظر التظاهر
وفي محاولة لاحتواء التداعيات، قررت السلطات التركية تشديد الإجراءات الأمنية في إسطنبول، حيث أغلقت عدة طرق حول المدينة وأصدر مكتب حاكم إسطنبول قراراً بحظر جميع التجمعات والاحتجاجات في المدينة لمدة أربعة أيام. ورغم ذلك، تمكن العديد من المواطنين من التجمع للاحتجاج على الاعتقال.
احتجاجات واسعة في إسطنبول
على الرغم من حظر التجمعات، نظم عدد من الأتراك احتجاجات أمام مبنى بلدية شيشلي بإسطنبول ومقر الشرطة بعد اعتقال رئيس البلدية. وأظهرت مشاهد نقلتها فضائية القاهرة الإخبارية حجم الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها المدينة.
وبحسب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، شارك طلاب جامعيون في الاحتجاجات، مما أدى إلى استخدام الشرطة للقوة ضد المتظاهرين. وقد انتشرت على نطاق واسع مقاطع فيديو تُظهر المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
ردود الفعل السياسية
أثار اعتقال إمام أوغلو موجة إدانات من قبل المعارضة التركية، حيث وصف زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال الحادث بأنه “انقلاب سياسي مقنّع”. كما اعتبر حزب المعارضة الرئيسي أن ما حدث هو “محاولة انقلاب ضد رئيسنا القادم”.
ومن جهته، قال إمام أوغلو في رسالة نُشرت من السجن: “إلى كل الأكاذيب، إلى المؤامرات والفِخاخ، إلى من أكلوا حقوق الناس، إلى من سرقوا إرادة الشعب، شعبنا سيقدم الرد اللازم، أُوكل نفسي أولًا إلى الله، ثم إلى أمتنا. مع احترامي”.
بالمقابل، تنفي حكومة أردوغان ممارسة أي ضغوط سياسية على المحاكم وتقول إن القضاء مستقل، مؤكدة أن الإجراءات القانونية ضد شخصيات المعارضة ليست مدفوعة بأسباب سياسية.
تداعيات اقتصادية فورية
لم تقتصر تداعيات اعتقال إمام أوغلو على الجانب السياسي فحسب، بل امتدت لتشمل الاقتصاد التركي. فقد شهدت الليرة التركية تراجعاً حاداً أمام العملات الأجنبية بنسبة تجاوزت 6% أمام الدولار الأمريكي في اليوم نفسه، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ بداية العام، مدفوعة بهروب سريع لرؤوس الأموال الأجنبية من السوق التركية.
وقد علق المحلل الاقتصادي التركي أردا تونجار على هذا التراجع قائلاً إن “الأسواق تقرأ هذا التطور على أنه مؤشر إضافي على اختلال التوازن بين السلطات التنفيذية والقضائية، مما يعمّق انعدام الثقة في مستقبل بيئة الاستثمار في تركيا”.
خلفية سياسية وتداعيات مستقبلية
يأتي اعتقال إمام أوغلو في سياق تصاعد التوتر السياسي في تركيا، خاصة بعد خسائر كبيرة مُني بها حزب أردوغان الحاكم في الانتخابات المحلية التي جرت في مارس/آذار الماضي، وسط دعوات متزايدة لإجراء انتخابات وطنية مبكرة.
ويُنظر إلى إمام أوغلو على أنه أحد أبرز المرشحين المحتملين لمنافسة الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2028. وقد انتخب إمام أوغلو رئيساً لبلدية إسطنبول، أكبر مدينة تركية، في مارس 2019، في ضربة تاريخية لأردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، والذي سيطر على إسطنبول لربع قرن.
ومن المرجح أن يؤدي اعتقال إمام أوغلو إلى عرقلة خططه لمنافسة أردوغان في الانتخابات المقبلة، خاصة أنه يأتي قبل أيام من موعد تسميته رسمياً مرشح حزب المعارضة الرئيسي “حزب الشعب الجمهوري”.
الوضع الراهن وتوقعات التصعيد
يشهد الوضع في إسطنبول توتراً متصاعداً مع استمرار الاحتجاجات رغم حظر التجمعات، ونشر قوات الأمن بكثافة في مختلف أنحاء المدينة. وتتجه الأنظار إلى ردود فعل المعارضة والمجتمع الدولي في الأيام المقبلة، في ظل مخاوف من تصاعد المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن.
يواجه إمام أوغلو دعاوى قضائية متعددة قد تؤدي إلى أحكام بالسجن وحظر سياسي، بما في ذلك استئنافه لإدانته عام 2022 بتهمة إهانة أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا. ومن المتوقع أن تستمر الضغوط القانونية عليه في ظل التصعيد الحالي.
وفي ظل هذه الظروف، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مستقبل المشهد السياسي التركي، وما إذا كانت هذه الأزمة ستؤدي إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي التركي قبل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المقبل.