قضية “قطر جيت”: اعتراف مثير لرجل أعمال إسرائيلي بتحويل أموال قطرية لمسؤول في مكتب نتنياهو
كشفت تطورات جديدة في قضية “قطر جيت” المثيرة للجدل عن اعتراف رجل الأعمال الإسرائيلي جيل بيرجر بتحويل أموال من جماعات ضغط أمريكية تعمل لصالح الحكومة القطرية إلى إيلي فيلدشتاين، المشتبه به في قضية تسريب وثائق سرية من ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية. هذا الاعتراف فتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات خطيرة حول العلاقات المحتملة بين مسؤولين في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ودولة قطر، خاصة في ظل تأكيد مكتب نتنياهو عدم علمه بالأمر واعتباره “أخبارًا كاذبة”.
تفاصيل الاعتراف المثير للجدل
في تسجيل تم الكشف عنه اليوم الأربعاء (19 مارس 2025) في هيئة البث الرسمية الإسرائيلية “كان”، اعترف رجل الأعمال الإسرائيلي جيل بيرجر بأنه حوّل أموالاً من شخص يدعى جي بوتليك، الذي يعمل ضمن جماعات الضغط الأمريكية لصالح الحكومة القطرية، إلى إيلي فيلدشتاين، المتهم بقضية تسريب وثائق سرية من ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية. وأوضح بيرجر في التسجيل أنه قام بتحويل الأموال “كمعروف لبوتليك” لأسباب تتعلق بضريبة القيمة المضافة.
عندما سُئل بيرجر عما إذا كان قد طُلب منه تحويل الأموال إلى فيلدشتاين لأسباب ضريبية، أجاب بالإيجاب. كما صرح بأنه يعرف بوتليك منذ 25 عاماً، لكنه أكد أنه “ليس مطلعاً على التفاصيل”، مضيفاً: “أنا لا أعمل في ذلك، ولا أعمل في إسرائيل، وليس لدي أي اتصال مع الناس في إسرائيل”. هذا التصريح يثير تساؤلات حول مدى معرفة بيرجر بطبيعة العلاقة بين فيلدشتاين والجهات القطرية.
وفقاً للتحقيقات الأولية، تلقى فيلدشتاين هذه الأموال خلال فترة عمله كمتحدث رسمي باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. ويبقى غير واضح حتى الآن ما إذا كان فيلدشتاين على علم بأن مصدر هذه الأموال هو دولة قطر، وهو ما يشكل محور التحقيقات الجارية حالياً من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية.
خلفية قضية “قطر جيت”
ظهرت قضية “قطر جيت” إلى العلن الشهر الماضي عندما أعلن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) أنه يجري تحقيقاً حول علاقات محتملة بين مسؤولين في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية وقطر، وذلك بسبب “مخاوف جدية من الإضرار بأسرار الدولة”.
صدر بيان الشاباك بعد أن توجه عضوا الكنيست جلعاد كاريب ونعمة لازيمي إلى الجهاز، على خلفية منشورات تفيد بأن بعض مستشاري رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قدموا خدمات لقطر، التي تتهمها إسرائيل رسمياً بتمويل حركة حماس. وعلى الرغم من خطورة هذه المزاعم، فقد فُرض أمر حظر نشر على كل تفاصيل التحقيق.
تشير المصادر الإعلامية إلى أن القضية تشمل ثلاثة مسؤولين في مكتب رئيس الحكومة:
- إيلي فيلدشتاين: عمل سابقاً متحدثاً باسم مكتب رئيس الحكومة ويواجه الآن تهمة تسريب ملفات سرية.
- يونتان أوريخ: مستشار في مكتب نتنياهو، مشتبه به أيضاً في قضية تسريب ملفات سرية.
- يسرائيل إينهورن: عمل مستشاراً في حملات انتخابية لصالح حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو.
تفاصيل العلاقة المشبوهة بين فيلدشتاين والأموال القطرية
كشفت القناة العبرية 13 أن جاي فوتليك، الذي يعمل لصالح حكومة قطر، سلّم أموالاً لبيرجر بهدف نقلها إلى فيلدشتاين، وذلك خلال الفترة التي كان فيها الأخير يشغل منصباً رسمياً في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية.
أفادت مصادر إعلامية موثوقة أن الحكومة الإسرائيلية توقفت عن دفع راتب فيلدشتاين في شهر أبريل الماضي، وذلك بعد رفض جهاز الأمن العام “الشاباك” منحه التصنيف الأمني المطلوب لمثل هذا المنصب الحساس. والمثير للدهشة أنه رغم ذلك، استمر فيلدشتاين في عمله بمكتب رئيس الحكومة، مما يطرح تساؤلات حول الإجراءات الأمنية المتبعة داخل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
أشارت تقارير إخبارية متعددة إلى أن فيلدشتاين تلقى رواتب من شركة مجهولة مقابل العمل على تحسين صورة دولة قطر في إسرائيل، مما يطرح تساؤلات خطيرة حول تضارب المصالح واحتمالية تسريب معلومات استخباراتية حساسة إلى جهات خارجية.
ردود الفعل والانتقادات السياسية
أثارت هذه القضية عاصفة من ردود الفعل الغاضبة في الأوساط السياسية الإسرائيلية. فقد علق يائير غولان، رئيس الحزب “الديمقراطي” واللواء السابق في الجيش الإسرائيلي، على التقارير قائلاً: “الأدلة على أن الأموال القطرية – وهي نفس الأموال التي مولت مجزرة تشرين الأول – استُخدمت لدفع رواتب مستشاري نتنياهو، هو زلزال سياسي”، وأضاف بلهجة حادة: “هذا ليس مجرد فشل إداري، بل هو شبهة خيانة للدولة”.
في المقابل، تفيد بعض المصادر أن مكتب نتنياهو نفى علمه بالقضية، واعتبر هذه التقارير “مجرد أخبار كاذبة”. غير أنه لم يصدر أي بيان رسمي من مكتب رئيس الوزراء يتناول هذه المزاعم بشكل تفصيلي حتى لحظة نشر هذا التقرير.
دور الأجهزة القضائية والأمنية في التحقيق
اتخذت غالي برهاف ميارا، المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، قراراً بتكليف جهاز الأمن العام “الشاباك” والشرطة الإسرائيلية بالتحقيق في هذه القضية الحساسة، في خطوة تعكس خطورة الاتهامات الموجهة وتأثيرها المحتمل على الأمن القومي الإسرائيلي.
يأتي هذا التحقيق في توقيت بالغ الحساسية، حيث تشهد إسرائيل توتراً داخلياً غير مسبوق بسبب الصراعات المستمرة في المنطقة، وتحديداً مع حركة حماس التي تتهم إسرائيل دولة قطر بتمويلها ودعمها لوجستياً وسياسياً.
تداعيات محتملة على الحكومة الإسرائيلية
تحمل قضية “قطر جيت” في طياتها تداعيات سياسية خطيرة قد تهز أركان حكومة نتنياهو، خاصة إذا ثبت أن مسؤولين كبار في مكتبه كانوا على علم بمصدر الأموال القطرية أو قاموا – بشكل مباشر أو غير مباشر – بتقديم خدمات لدولة قطر مقابل منافع شخصية.
تزداد خطورة هذه القضية في ضوء التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية حالياً، مما يضاعف من حجم الضغوط السياسية والقانونية على حكومة نتنياهو. كما أن وجود تعاملات مالية مع جهات مرتبطة بدولة تتهمها إسرائيل بدعم خصومها قد يكون له تأثير كبير على الرأي العام الإسرائيلي.
الخاتمة: أسئلة تنتظر إجابات
ما زالت تفاصيل قضية “قطر جيت” تتكشف تدريجياً، رغم أمر حظر النشر المفروض على العديد من جوانبها. وتبقى هناك أسئلة محورية تنتظر إجابات واضحة: هل كان فيلدشتاين وغيره من مسؤولي مكتب نتنياهو على علم بأن الأموال التي تلقوها مصدرها قطر؟ ما هي طبيعة الخدمات التي قُدمت لقطر – إن وجدت – مقابل هذه الأموال؟ هل تم تسريب معلومات سرية تتعلق بأمن إسرائيل القومي إلى الجانب القطري؟ وما مدى علم نتنياهو شخصياً بهذه الترتيبات المالية بين مستشاريه والجهات القطرية؟
ستحدد الإجابة على هذه الأسئلة مسار التحقيق ونتائجه النهائية، وتأثيرها المستقبلي على العلاقات الإسرائيلية القطرية في ظل التوترات الإقليمية. كما تسلط هذه القضية الضوء على تعقيد العلاقات في الشرق الأوسط، حيث تتشابك المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة تشهد صراعات متعددة المستويات.