المرصد السوري يطالب الشرع بملاحقة المسؤول عن مجزرة صنوبر التي أودت بحياة 200 علوي
وجّه المرصد السوري لحقوق الإنسان رسالة علنية إلى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، طالبه فيها بملاحقة واعتقال المدعو “م. درويش” الذي اتهمه المرصد بالمسؤولية المباشرة عن المجزرة المروعة التي وقعت في قرية صنوبر بريف جبلة، والتي راح ضحيتها نحو 200 مواطن من الطائفة العلوية. وأشار المرصد إلى أن المتهم لا يزال طليقاً رغم الأدلة التي تربطه بهذه الجريمة، في وقت يواجه فيه الرئيس الشرع ضغوطاً متزايدة لإثبات قدرته على فرض الأمن وتحقيق العدالة لجميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية.
خلفية أحداث الساحل وموقف السلطة الانتقالية
جاءت رسالة المرصد السوري في سياق الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الساحل السوري خلال الأسابيع الماضية، والتي وصفت بأنها أعمال عنف طائفي استهدفت المواطنين العلويين بعد سقوط نظام بشار الأسد. وكان الشرع قد اعترف في مقابلة سابقة مع وكالة رويترز بوقوع “أعمال قتل انتقامية” في الساحل السوري، متعهداً بمعاقبة المسؤولين عنها “حتى لو كانوا أقرب الناس إليه”.
وقال الشرع في تلك المقابلة: “سوريا نحن أكدنا أنها دولة قانون. القانون سيأخذ مجراه على الجميع… نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين… لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا.”
حمّل الشرع في تصريحاته السابقة مسؤولية اندلاع العنف لوحدة عسكرية سابقة موالية لشقيق الأسد وقوى أجنبية، لكنه أقر بأن “أطرافاً عديدة دخلت الساحل السوري وحدثت انتهاكات عديدة”. كما دعا الشرع في بيان سابق من وصفهم بـ “فلول النظام السابق” إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم قبل “فوات الأوان”، مطالباً قوى الجيش والأمن في سوريا بـ “حماية المدنيين” وعدم السماح لأحد بـ “التجاوز والمبالغة في رد الفعل”.
رد الفعل الدولي وتحذيرات من انهيار المرحلة الانتقالية
أثارت المجازر الطائفية في الساحل السوري ردود فعل دولية غاضبة، حيث أدان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ما وصفه بأعمال “الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب”، مؤكداً وقوف الولايات المتحدة “إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد”.
وفي ذات السياق، طالبت السناتور الديمقراطية جين شاهين السلطات السورية بـ “التحقيق في ما حدث، وتقديم المسؤولين عن قتل المدنيين إلى العدالة. لأن الشعب السوري لم يقم بإسقاط نظام الأسد الوحشي ليجد نفسه مجدداً في ظل قمع وعنف أكبر”.
وحذر الباحث في معهد واشنطن آرون زيلن من “انتهاء شهر العسل الانتقالي في سوريا بعد المجازر والتضليل الذي تمارسه السلطة الانتقالية حول المجازر ضد المواطنين العلويين”، مشيراً إلى أن “سلوك لجنة تقصي الحقائق في سوريا سوف يؤدي إما إلى بناء شرعية الحكومة الجديدة أو تدميرها، وكذلك احتمالات انتقال مستقر للسلطة”.
تصاعد المخاوف حول مستقبل الأقليات في سوريا
تكشف رسالة المرصد السوري المطالبة بملاحقة المسؤولين عن مجزرة صنوبر عن المخاوف المتزايدة بشأن مستقبل الأقليات في سوريا، خاصة الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد، والتي تمثل حوالي 10% من سكان سوريا وتتركز بشكل رئيسي في منطقة الساحل السوري.
يشير محللون إلى أن الماضي الجهادي للرئيس الشرع يثير تساؤلات حول قدرته على حماية الأقليات في سوريا، خاصة بعد تصريحات منسوبة إليه في السابق حيث دعا في أكتوبر 2015 إلى “شن هجمات عشوائية على القرى العلوية في سوريا”، قائلاً: “لا يوجد خيار سوى تصعيد المعركة واستهداف البلدات والقرى العلوية في اللاذقية”.
رغم ذلك، تعهد الشرع منذ توليه السلطة في يناير 2025 بحماية جميع المكونات السورية، مؤكداً في خطابه الأول بعد تعيينه رئيساً للمرحلة الانتقالية أن أولويته تتمثل في “تحقيق السلم الأهلي وملاحقة المجرمين الذين ولغوا في الدم السوري”.
تساؤلات حول قدرة النظام الانتقالي على تحقيق العدالة
يرى مراقبون أن ملف مجزرة صنوبر وغيرها من الانتهاكات التي شهدها الساحل السوري يمثل اختباراً حقيقياً لمصداقية النظام الانتقالي في سوريا برئاسة أحمد الشرع، وقدرته على تحقيق العدالة وسيادة القانون بعيداً عن الانتقام الطائفي.
ويتساءل كثيرون عما إذا كان الشرع قادراً على كبح جماح المجموعات المسلحة المتشددة التي قد تكون متورطة في هذه الانتهاكات، خاصة وأن صحيفة واشنطن بوست أشارت إلى أن المجازر في الساحل السوري “تثير تساؤلات خطيرة بشأن ما إذا كان أحمد الشرع راغباً أو قادراً على كبح جماح مجموعة واسعة من الفصائل المسلحة التي لا تزال تعمل في جميع أنحاء البلاد”.
تكتسب هذه القضية أهمية خاصة في ظل الجهود الدولية والإقليمية الداعمة للمرحلة الانتقالية في سوريا، حيث يتوقف استمرار هذا الدعم على قدرة السلطات الانتقالية على ضمان الحماية لجميع المواطنين وتحقيق العدالة للضحايا بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو السياسية.