وسط نيران التصعيد على الحدود اللبنانية، تتزايد المخاوف من انزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة، حيث تتشابك الحسابات السياسية والعسكرية في مشهدٍ ينذر بعواقب لا تُحمد عقباها. فهل تقف المنطقة على أعتاب حرب جديدة، أم أن هناك متسعًا للحلول الدبلوماسية قبل فوات الأوان؟
فمنذ أشهر، لم تهدأ التوترات رغم الاتفاقات السابقة، إذ كثّف الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاته، مستهدفًا الجنوب والبقاع اللبناني بالقصف، ورافضًا الانسحاب الكامل من المناطق المحتلة.
وفي ظل التصريحات “الإسرائيلية” التصعيدية، وتهديدات وزير الحرب في حكومة الاحتلال يسرائيل كاتس بضرب بيروت، تبدو الأوضاع قابلة للانفجار في أي لحظة.
وبينما تحاول المقاومة ضبط إيقاع الردع، يظل السؤال الأهم: إلى أين يتجه المشهد؟ وهل تقود هذه التطورات إلى حرب إقليمية أشمل؟
تعليقا على ذلك أكّد الكاتب والمحلل السياسي حازم عيّاد أن “مستوى التوتر على الحدود اللبنانية مع الاحتلال الإسرائيلي بلغ ذروته، نتيجة الانتهاكات المتكررة داخل الأراضي اللبنانية والقصف المستمر”.
وأشار إلى أن “الاحتلال يفاخر بقتل 100 من عناصر (حزب الله) اللبناني، منذ توقيع الاتفاق، وشن 120 غارة، مما أبقى التوتر مرتفعًا، خصوصًا بين سكان الجنوب اللبناني، الذين لا يزال كثير منهم ممنوعًا من العودة إلى بلداتهم، فضلًا عن استهداف الاحتلال للكرفانات والخيام التي تؤوي النازحين العائدين”.
وفي حديثه لـ”قدس برس” اليوم السبت، أوضح عيّاد أن “قصف مستوطنة المطلة لم يكن مفاجئًا، بل جاء كردّ مباشر على الاعتداءات (الإسرائيلية)، في رسالة واضحة بأن مفاقمة معاناة اللبنانيين لن تمر دون رد، وأن الاحتلال سيدفع ثمن سياساته التصعيدية”.
وأضاف أن “(حزب الله) لا يريد أن يتحمل مسؤولية انهيار الاتفاق، بل يسعى إلى تحميل قوات الاحتلال المسؤولية الكاملة، نظرًا لدورها في إيجاد أجواء مشحونة قد تدفع قوى وتيارات جديدة إلى التصدي للاعتداءات والدفاع عن حقوقها في جنوب لبنان”.
وأشار إلى أن “المشهد الحالي ينذر بانزلاق لبنان نحو مواجهة جديدة مع الاحتلال، خاصة مع إصرار قوات الاحتلال على استباحة الجنوب اللبناني تحت غطاء الاتفاق”.
ولفت إلى تصريح كاتس الذي توعّد بضرب بيروت ردًّا على استهداف المطلة، معتبرًا أن “هذا التهديد لن يردع اللبنانيين، بل قد يزيد من حدة التصعيد”.
وأكد أن “التوتر في المنطقة يتصاعد على أكثر من جبهة، بدءًا من تجدد القتال في غزة، مرورًا بالأحداث في البحر الأحمر، وصولًا إلى التهديدات الأمريكية لإيران وإرسال حاملة طائرات جديدة إلى المنطقة”.
وأوضح أن “(حزب الله)، رغم تصعيده، لا يسعى إلى انهيار الاتفاق لكنه يضع الكرة في ملعب الاحتلال، محملًا إياه المسؤولية عن التوتر القائم”.
واختتم حديثه “بالتأكيد على أن المنطقة تقف على حافة الهاوية، وقد تنزلق إلى حرب أوسع إذا لم تتدخل الولايات المتحدة والدول الأوروبية للضغط على قوات الاحتلال لوقف عدوانها، ليس فقط على لبنان، بل على شعوب المنطقة بأكملها، بدءًا من فلسطين”.
وكان المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى قوات الطوارئ الدولية في لبنان، منير شحادة، قد كشف عن “أكثر من 2500 خرق (إسرائيلي) للأجواء والأراضي اللبنانية، استهدفت الجنوب والبقاع بالقصف، كما أبقت قوات الاحتلال على احتلالها لسبع نقاط بعد انسحابها، رغم انقضاء مهلة الثمانين يومًا”.
وقال في تغريدة عبر حسابه على منصة “إكس” (تويتر سابقا)، إنه “رغم هذا السجل من الانتهاكات، لا تزال تهدد بقصف بيروت، بحجة الرد على ثلاثة صواريخ أُطلقت من لبنان نحو مستوطنة المطلة، رغم التزام المقاومة بالاتفاق طوال هذه الفترة”.
وأكد شحادة أن “قوات الاحتلال تعربد ولم تلتزم بوقف إطلاق النار، بل استغلت هذه المرحلة لتحقيق ما عجزت عنه في الحرب”.
وأضاف: “أياً يكن من أطلق هذه الصواريخ، فإن قوات الاحتلال تجاوزت كل الخطوط الحمراء، ولم تترك خرقًا إلا وارتكبته. ومن يبرر عدوانها فهو شريك في التآمر على لبنان”.
من جانبه، أكد الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة أن “الصواريخ التي أُطلقت من لبنان اليوم، وقبلها من اليمن، تحمل رسائل نارية إلى الاحتلال الإسرائيلي، ردًا على سياساته القائمة على الإبادة والتهجير في غزة”.
وأوضح الحيلة، في تغريدة عبر منصة “إكس”، أن قوات الاحتلال ترتكب خطأً استراتيجيًا باعتقادها أنها قادرة على الحسم في غزة، أو فرض احتلال دائم على أراضٍ عربية، مشيرًا إلى أن “هذه الحسابات قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة”.
وأضاف أن “إدارة الرئيس الأمريكي ترمب ستكتشف أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المتغطرس يورطها كما ورط إدارة بايدن، وأن محاولات تغيير الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط لن تمر دون حروب، لن يكون النصر فيها إلا لأصحاب الأرض”.