تشهد المدن التركية مظاهرات حاشدة منذ خمسة أيام احتجاجاً على اعتقال عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو في قضية أثارت جدلاً سياسياً واسعاً. وتدخلت قوات الشرطة بقوة لتفريق المتظاهرين في منطقة بوزدوغان كيميري قبل خطاب مرتقب لزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزيل في ساراشان، في وقت تتصاعد فيه حدة المواجهة بين المعارضة والحكومة التركية التي تتهمها المعارضة بمحاولة إقصاء منافس سياسي محتمل للرئيس رجب طيب أردوغان في انتخابات 2028.
قضت محكمة تركية الأحد باحتجاز أكرم إمام أوغلو على ذمة المحاكمة بتهم فساد، ولم تصدر قراراً فيما يتعلق بتهم الإرهاب. وتم نقل إمام أوغلو إلى سجن مرمرة لتنفيذ القرار.
وذكرت المحكمة في قرارها: “على الرغم من وجود شكوك قوية بشأن مساعدة منظمة إرهابية مسلحة، وبما أنه تقرر بالفعل احتجازه بسبب تهم بارتكاب جرائم مالية، فإن اعتقاله بسبب تهم تتعلق بالإرهاب لا يعتبر ضرورياً في هذه المرحلة”

وكانت السلطات قد اعتقلت إمام أوغلو، الأربعاء (20 مارس 2025)، في إطار تحقيقات أطلقها مكتب المدعي العام في إسطنبول ضد البلدية، بتهم تشمل “كونه مدير منظمة إجرامية”، و”الابتزاز”، و”الرشوة”، و”الاحتيال المؤهل”، و”الحصول على البيانات الشخصية بطريقة غير قانونية” و”التلاعب بالمناقصات”. كما تم فتح تحقيقات بتهمة “مساعدة منظمة حزب العمال الكردستاني PKK/KCK .
دعا إمام أوغلو، الأحد، الأتراك إلى تنظيم مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد احتجاجاً على احتجازه، ووصف العملية القانونية المتعلقة باحتجازه بأنها “إعدام خارج نطاق القضاء تماماً”، وقال إن هذا يعني “خيانة لتركيا”.
وخلال استجوابه من قبل الشرطة، نفى إمام أوغلو جميع التهم الموجهة إليه، وقال: “أرى اليوم خلال استجوابي أنني وزملائي نواجه اتهامات وافتراءات لا يمكن تصورها”.
وأضاف في إشارة مبطنة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “من الضروري أن تتخلص بلادنا في أسرع وقت ممكن من هذه العقلية التي تعتقد أن من حقها فعل أي شيء لحماية مقعدها”.
وفي منشور على منصة “إكس” بعد قرار احتجازه، أكد إمام أوغلو أنه “لن يستسلم”، وأضاف: “معاً سنتصدى لتلك الضربة وتلك الوصمة السوداء في ديمقراطيتنا… أقف بشموخ ولن أركع”.

تظاهر الآلاف في العديد من المدن التركية رفضاً لتوقيف إمام أوغلو، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل لتفريق المتظاهرين بالقرب من مبنى بلدية إسطنبول. وقد اشتبك متظاهرون مع الشرطة في مقاطعة إزمير الساحلية الغربية، والعاصمة أنقرة، لليلة الثالثة على التوالي.
وأظهرت لقطات متداولة قيام الشرطة التركية بتعزيز أعدادها في منطقة بوزدوغان كيميري لقمع المظاهرات المناهضة لأردوغان.
كما شهدت ليلة السبت احتجاجات واسعة اعتراضاً على اعتقال إمام أوغلو، في واحدة من أكبر التظاهرات التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عقد.
وقد تحدى المحتجون من جميع الأعمار الحظر الحكومي على التجمعات، معبرين عن احتجاجهم على ما يعتبرونه اعتقالاً غير قانوني، مرددين شعارات “الحقوق، القانون، العدالة”.
وذكرت شابة من المشاركات في الاحتجاجات أنها لم تأت للمعارضة فقط، بل للدفاع عن الديمقراطية، قائلة: “نحن هنا من أجل العدالة، نحن هنا من أجل الحرية، نحن شعب حر، الشعب التركي لا يقبل هذا”.

حصيلة الاعتقالات والإجراءات الأمنية
قالت وزارة الداخلية التركية، السبت، إن السلطات اعتقلت 343 شخصاً خلال الاحتجاجات في عدة مدن ضد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول.
وأوضحت الوزارة في بيان أن المظاهرات اندلعت في أكثر من 12 مدينة، بما في ذلك إسطنبول أكبر مدن تركيا والعاصمة أنقرة.
موقف المعارضة: “محاولة انقلاب قضائي“
ندد حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي ينتمي إليه إمام أوغلو، بالاعتقال، وقال إن له دوافع سياسية، وحث أنصاره على التظاهر بشكل قانوني.
وفي كلمته أمام الحشود المتجمعة أمام مبنى بلدية إسطنبول، قال زعيم الحزب أوزغور أوزيل: “يتعين علينا أن نملأ الشوارع معًا”، وأضاف: “لا ينبغي لأحد أن يخلط الأمور. ما يحدث منذ الأمس له اسم. إنها محاولة انقلاب، فاليوم، يُحاولون سلب إرادة الشعب بانقلاب قضائي”.

وفي خطاب آخر في اليوم الثالث من احتجاز إمام أوغلو، قال أوزيل للحشد الذي تجمع مرة أخرى أمام مقر بلدية إسطنبول في ساراتشانه: “جئنا إلى ساراتشانه ليس من أجل التجمع، بل لأننا نقف ضد انقلاب 19 مارس. هذا ليس تجمعاً حزبياً. ليس تجمعاً لحزب الشعب الجمهوري”.
مواقف الحكومة والتباين في ردود الفعل
في المقابل، اختلفت مواقف الحكومة وحلفائها بشأن اعتقال إمام أوغلو. فقد التزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الصمت ولم يتطرق في خطابه في حفل إفطار للمزارعين في المجمع الرئاسي إلى اعتقال إمام أوغلو.
بينما قال زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، القريب من أردوغان: “إن القضاء التركي مستقل ونزيه وموضوعي”، وأضاف: “لا يوجد أحد لا يمكن المساس به أو إعاقة الوصول إليه أو عدم محاسبته”.
من جهته، صرح وزير العدل التركي يلماز تونج، بأنه “من الخطير للغاية والخطأ تحويل التحقيقات التي أجراها القضاء المحايد والمستقل إلى أطراف مختلفة ووصفها بتعبيرات مثل محاولة انقلاب”.
وذكر تونج “يجب على الجميع أن يعلموا أنه في دولة القانون، إذا كان هناك ادعاء بارتكاب جريمة، فإن المكان الذي سيتم فيه الدفاع ليس الشوارع بل السلطات القضائية”.