رسالة قاآني تصل للحوثيين: إيران توجه الفصائل العراقية بتجنب التصعيد الأمريكي والإسرائيلي
أظهرت تقارير إخبارية حديثة أن إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قام بزيارة للعاصمة العراقية بغداد وحذر الفصائل المسلحة الموالية لإيران من اتخاذ أي إجراءات تصعيدية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي تطور لافت، امتدت هذه الرسالة لتصل إلى جماعة الحوثي في اليمن التي استجابت بإخلاء مقراتها في بغداد، مما يشير إلى تحول في الاستراتيجية الإيرانية خلال المرحلة الراهنة لتجنب مواجهة مباشرة مع واشنطن وحلفائها.
تفاصيل زيارة قاآني إلى بغداد والرسائل الإيرانية
أفادت تقارير موثوقة وصلت إلى عدة وسائل إعلامية أن إسماعيل قاآني عقد سلسلة من اللقاءات والجلسات المتعددة مع قادة الفصائل المسلحة في العاصمة العراقية بغداد. خلال هذه اللقاءات، أكد قاآني على “ضرورة عدم القيام بأي تحرك؛ ردًا على تهديدات الولايات المتحدة وإسرائيل”. وشددت الرسالة الإيرانية على أهمية ضبط النفس في المرحلة الراهنة.
وكشفت مصادر مطلعة أن قائد فيلق القدس حذر قادة الفصائل العراقية من عواقب التصعيد، مشيراً إلى أن “هجمات الجيش الأميركي ضد منشآت تابعة لجماعة الحوثي قد ترتد سريعاً على بغداد”. هذا التحذير جاء في سياق توجيه واضح “بعدم القيام بأي نشاط عسكري خلال هذه المرحلة الحساسة”، مما يعكس رغبة إيرانية في تجنب التصعيد العسكري المباشر مع واشنطن.
انتقال الرسالة من بغداد إلى الحوثيين
أحد أبرز التطورات في هذا الملف هو كيفية وصول رسالة قاآني إلى جماعة الحوثي في اليمن. فقد أوضحت المصادر أن “رسالة قائد فيلق القدس تم إيصالها عبر العراق حتى إلى الحوثيين المدعومين من طهران في اليمن”. هذا المسار غير المباشر لإيصال الرسالة يكشف عن شبكة اتصالات معقدة بين إيران وحلفائها في المنطقة، ويبرز الدور المحوري للفصائل العراقية كوسيط بين طهران والحوثيين.
وتشير هذه الوساطة العراقية إلى عمق العلاقات التنظيمية بين مختلف الجماعات المدعومة من إيران في المنطقة، ومدى التنسيق الاستراتيجي بينها في أوقات التوتر الإقليمي. كما تعكس هذه الآلية قدرة إيران على إدارة سلوك حلفائها وتوجيههم وفقاً لمصالحها الاستراتيجية العليا.
استجابة الحوثيين للرسالة الإيرانية
تكشف التقارير أن جماعة الحوثي استجابت بشكل فوري للرسالة الإيرانية، حيث “اضطرت جماعة الحوثي اليمنية إلى إخلاء مقر لها في العاصمة العراقية بغداد، بعد رسالة تحذير إيرانية، وإجماع داخل تحالف الإطار التنسيقي على تجنب التصعيد مع الأميركيين”. هذا التطور يمثل تحولاً ملموساً في التواجد الحوثي بالعراق.
إخلاء المقرات الحوثية في بغداد
وفقاً للمصادر، أخلت جماعة الحوثي “مقراً استراتيجياً في أحد الأحياء الراقية وسط بغداد، وقد تغلق مقرين آخرين بعد ضغوط من الإطار التنسيقي”. يشير هذا الإجراء إلى تراجع النفوذ الحوثي المباشر في العراق، وربما يؤشر إلى إعادة تموضع استراتيجي للجماعة في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة.
من اللافت أن هذه الخطوة جاءت بعد “إجماع داخل تحالف الإطار التنسيقي على تجنب التصعيد مع الأميركيين”، مما يكشف عن دور القوى السياسية العراقية في الضغط لإبعاد نشاطات الحوثيين عن الأراضي العراقية. هذا التوافق العراقي-إيراني يعكس تقييماً مشتركاً لخطورة المرحلة الراهنة وضرورة تجنب تحويل العراق إلى ساحة مواجهة مباشرة.
الموقف الإيراني الرسمي ودلالاته
في سياق متصل، تبرز تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي كمؤشر آخر على الاستراتيجية الإيرانية في هذه المرحلة. فقد “تبرَّأ المرشد الإيراني علي خامنئي من وكلاء طهران في المنطقة، ووصفهم بـقوى مستقلة تدافع عن نفسها”. هذا الموقف العلني يأتي متسقاً مع رسالة قاآني بشأن ضبط النفس وتجنب التصعيد.
إنكار السيطرة المباشرة على الوكلاء الإقليميين
يمثل وصف خامنئي للجماعات المدعومة من إيران بأنها “قوى مستقلة” محاولة لخلق مسافة بين إيران وأفعال هذه الجماعات. هذا الموقف يأتي متزامناً مع توجيه قاآني بعدم القيام بأي أعمال عسكرية، مما يعكس استراتيجية إيرانية مزدوجة: إنكار المسؤولية المباشرة عن أفعال الحلفاء علناً، مع ممارسة تأثير وتوجيه قوي عليهم خلف الكواليس.
في الوقت نفسه، توعد خامنئي “الولايات المتحدة بـصفعة رنانة لو شرعت في عمل ما ضد بلاده”. هذا التهديد المباشر ضد واشنطن، مقترناً بتخفيف التصعيد من جانب الوكلاء، يشير إلى استراتيجية إيرانية تسعى لحصر أي مواجهة محتملة في إطار العلاقة الثنائية بين إيران والولايات المتحدة، دون توريط الحلفاء الإقليميين.
أبعاد التحرك الإيراني وتداعياته على المشهد الإقليمي
تعكس تحركات قاآني والرسائل الإيرانية الأخيرة تقييماً دقيقاً من جانب طهران للمخاطر التي قد تنجم عن تصعيد المواجهة مع الولايات المتحدة في هذه المرحلة. فالإرشادات بعدم الرد على التهديدات الأمريكية والإسرائيلية تأتي في ظرف إقليمي بالغ الحساسية، مع استمرار المواجهة في غزة وتصاعد التوتر في البحر الأحمر.
انعكاسات على المشهد العراقي
يمثل تحرك قاآني إقراراً ضمنياً بمركزية العراق في الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية. ففي حين تعد بغداد مركزاً للتنسيق بين الفصائل المختلفة، فإن إيران تسعى لحماية نفوذها فيها من خلال تجنب ردود فعل أمريكية قد تستهدف حلفاءها هناك. هذا التوجه يتماشى مع مصالح الحكومة العراقية الرامية إلى تقليل التوترات على أراضيها.
كما يشير إخلاء الحوثيين لمقراتهم في بغداد إلى تقلص الفضاء المتاح للجماعات غير العراقية للعمل من داخل الأراضي العراقية، وهو تطور قد يعزز سيادة الدولة العراقية ويقلل من الاحتقان الناجم عن تعدد الجهات المسلحة ذات الولاءات الخارجية.
تأثيرات على الصراع في اليمن والبحر الأحمر
تأتي رسالة قاآني في وقت تصاعدت فيه العمليات الحوثية ضد السفن في البحر الأحمر، مما أدى إلى ردود فعل أمريكية وبريطانية شملت قصف مواقع في اليمن. التوجيه الإيراني بضبط النفس قد يؤشر إلى رغبة في تجنب تصعيد غير محسوب في هذه الجبهة، خاصة مع تنامي المخاوف من توسع نطاق المواجهة.
الرسالة التحذيرية بشأن “ارتداد” الهجمات الأمريكية على الحوثيين إلى بغداد تعكس تقييماً إيرانياً بأن واشنطن قد تطور استراتيجيتها لتشمل ضربات على المجموعات المرتبطة بالحوثيين في مناطق أخرى، وهو ما تسعى طهران لتجنبه من خلال هذه التوجيهات.
خلاصة: تحول في الاستراتيجية الإيرانية أم تكتيك مؤقت؟
تشير مجمل التطورات المرتبطة بزيارة قاآني وتوجيهاته إلى الفصائل العراقية والحوثيين إلى مرحلة جديدة من إدارة إيران لشبكة حلفائها في المنطقة. الرسالة الرئيسية تتمحور حول ضرورة التهدئة وتجنب الاستفزاز في مرحلة حرجة تشهد تصاعداً في حدة المواجهة بين إيران والغرب.
من غير الواضح ما إذا كان هذا النهج يمثل تحولاً استراتيجياً طويل المدى في النهج الإيراني، أم أنه مجرد تكتيك مؤقت لامتصاص الضغوط في المرحلة الراهنة. لكن ما يبدو جلياً هو أن إيران تدرك حساسية اللحظة الراهنة وضرورة تجنب السيناريوهات التي قد تؤدي إلى مواجهة شاملة لا تخدم مصالحها الإقليمية.
مع استمرار التوترات في المنطقة، تبقى قدرة إيران على التحكم بسلوك حلفائها عنصراً حاسماً في تحديد مسار الأحداث. فرغم نفي السيطرة المباشرة، تظهر التطورات الأخيرة أن طهران لا تزال تملك تأثيراً كبيراً على قرارات هذه الجماعات، وهو ما يمكن أن يلعب دوراً محورياً في تصعيد أو تخفيف حدة المواجهة في الشهور القادمة.