تقلبات الليرة التركية أمام الدولار تتصاعد وسط توترات سياسية وإجراءات طارئة
شهدت الليرة التركية اليوم الاثنين 24 مارس 2025 جولة جديدة من التقلبات الحادة أمام الدولار الأمريكي، حيث تراوح سعر الصرف بين 37.83 و38.0086 ليرة للدولار الواحد، وسط تداعيات سياسية ناجمة عن اعتقال عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وتدخلات حكومية عاجلة لاحتواء الأزمة. جاء هذا التذبذب في سياق تصاعد الاحتجاجات الشعبية والاضطرابات الأمنية التي أعقبت توقيف أحد أبرز المنافسين السياسيين للرئيس رجب طيب أردوغان، مما أثار مخاوف المستثمرين من تفاقم عدم الاستقرار السياسي وتأثيره على الاقتصاد الوطني.
تطورات سعر الصرف خلال الجلسة الصباحية
أظهرت بيانات بلومبرغ المالية تراجعاً أولياً لليرة التركية بنسبة 0.1% مع افتتاح التعاملات، مسجلةً 38.0086 ليرة للدولار عند الساعة 8:21 صباحاً بالتوقيت المحلي لإسطنبول. يأتي هذا التراجع في أعقاب موجة بيع حادة شهدتها الأصول التركية خلال نهاية الأسبوع الماضي، نتيجةً للصدمة السياسية الناجمة عن اعتقال إمام أوغلو بتهم فساد.
وبحسب تحليلات ويس للصرافة، فإن سعر الصرف الوسطي لليرة التركية استقر عند 37.83 ليرة للدولار، مع تسجيل تقلبات أسبوعية بلغت 3.113%، حيث بلغت الذروة عند 39.190 ليرة في 19 مارس، بينما لامست القاع عند 36.623 ليرة في 17 مارس. تشير هذه المؤشرات إلى حدة التقلبات التي تشهدها العملة التركية في ظل الظروف الاستثنائية.
تداعيات الاعتقال السياسي على السوق المالي
أسفر اعتقال أكرم إمام أوغلو -الذي يُعتبر التحدي الأبرز لأردوغان في الانتخابات المقبلة- عن هزة عنيفة في ثقة المستثمرين. تجلت هذه الهزة في ارتفاع العائد الضمني على عقود الليرة المستقبلية لليوم التالي إلى 187%، وهو أعلى مستوى مسجل منذ يونيو 2023، مما يعكس تكلفة الاقتراض المرتفعة والمخاطر الجيوسياسية المتفاقمة.
كما ارتفعت عقود مقايضة العجز الائتماني (CDS) لتركيا لأجل خمس سنوات إلى 327 نقطة أساس، مقتربةً من أعلى مستوياتها السنوية، في مؤشر واضح على تزايد مخاوف التخلف عن السداد في أوساط حاملي السندات الحكومية.
الإجراءات الحكومية الطارئة لاحتواء الأزمة
سارعت السلطات التركية إلى تنفيذ حزمة إجراءات استثنائية لمواجهة التدهور المالي، حيث عقد البنك المركزي اجتماعاً طارئاً مع كبار مسؤولي البنوك الخاصة لمناقشة آليات استقرار السوق. وكشفت مصادر مطلعة عن نقاشات حول سياسات دعم الليرة وضخ سيولة عاجلة لامتصاص الصدمة.
من جانب آخر، أعلنت هيئة الأسواق المالية التركية ليل الأحد عن حزمة تدابير تشمل حظر البيع على المكشوف بشكل مؤقت، وتخفيف شروط إعادة شراء الأسهم، وخفض متطلبات الهامش المالي. تهدف هذه الخطوات إلى الحد من المضاربات السلبية وحماية المستثمرين الصغار من التقلبات الحادة.
تفاعلات السوق مع التطورات السياسية
أظهرت تحركات مؤشر بورصة إسطنبول انخفاضاً بنسبة 1.2% خلال الساعات الأولى من التداول، مع تراجع قطاعات البنوك والعقارات بشكل لافت. ويعزو المحللون هذا التراجع إلى هروب رؤوس الأموال قصيرة الأجل نحو ملاذات آمنة مثل الذهب والدولار الأمريكي، في ظل تصاعد المخاطر المحلية.
وبموازاة ذلك، شهدت سندات الخزينة التركية المقومة بالعملات الأجنبية ضغوطاً بيعية، حيث ارتفعت عوائد السندات لأجل 10 سنوات بنسبة 0.8%، في إشارة إلى تراجع الطلب عليها من قبل المستثمرين الأجانب.
السياق التاريخي لأداء الليرة التركية
تشير البيانات التاريخية لموقع ويس إلى أن الليرة التركية فقدت نحو 45% من قيمتها أمام الدولار خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تحرك سعر الصرف من 26.2 ليرة في مارس 2020 إلى 37.83 ليرة في مارس 2025. ويرجع هذا التراجع المزمن إلى مجموعة من العوامل الهيكلية تشمل:
“ارتفاع معدلات التضخم المزمنة التي تجاوزت 65% في 2023، والعجز المستمر في الحساب الجاري، وتراكم الديون الخارجية التي تقترب من 450 مليار دولار”
تأثير العوامل الجيوسياسية على العملة
تعرضت الليرة التركية خلال الأعوام الأخيرة لضغوط متكررة بسبب الخلافات الإقليمية، وأبرزها التوترات مع اليونان حول حقول الغاز شرق المتوسط، والمشاركة التركية في النزاعات السورية والليبية. كما شكلت العقوبات الغربية المتعلقة بملف حقوق الإنسان ومشتريات الأسلحة الروسية عاملاً إضافياً في تآكل قيمة العملة.
توقعات مستقبلية وأسواق المشتقات
تشير عقود الآجلة في سوق المشتقات إلى توقعات بوصول سعر الدولار إلى 40 ليرة تركية خلال الربع الثاني من 2025، مع تحذيرات من مخاطر اختراق مستويات 42 ليرة في حال استمرار الاضطرابات السياسية. ويعزو الخبراء هذه التوقعات إلى:
“استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسب أقل من المطلوب، وارتفاع تكاليف خدمة الديون الخارجية، وضعف الاحتياطيات النقدية للبنك المركزي التي تقدر بنحو 95 مليار دولار”
تدخلات البنك المركزي التاريخية
لجأ البنك المركزي التركي خلال السنوات الثلاث الماضية إلى عمليات بيع مباشرة للدولار بلغت قيمتها الإجمالية 128 مليار دولار، في محاولة لدعم الليرة. لكن هذه السياسة أثارت انتقادات واسعة بسبب استنزافها للاحتياطيات الأجنبية، حيث انخفضت من 135 مليار دولار في 2022 إلى 95 مليار دولار حالياً.
ردود فعل المستثمرين الدوليين
أبدى صندوق النقد الدولي قلقه من التطورات الأخيرة، داعياً إلى “اعتماد سياسات نقدية أكثر تقليدية”. بينما حذّر اتحاد المصرفيين الأوروبيين من مخاطر التمديد في القروض التركية، مشيراً إلى ارتفاع نسبة الديون المتعثرة في القطاع المصرفي إلى 8.4%.
من ناحية أخرى، أعلنت شركات تصنيف ائتماني كبرى عن مراجعة تصنيفاتها لتركيا، مع توقعات بخفض متدرج في حال استمرار التحديات السياسية. يأتي هذا في وقت تشهد فيه السندات الحكومية التركية المقومة باليورو تراجعاً في قيمتها السوقية بنسبة 3.7% منذ بداية الأزمة الحالية.