العراق تتهم ناقلات نفط إيرانية باستخدام وثائق مزورة.. وطهران ترد بالرفض القاطع
أثارت تصريحات وزير النفط العراقي حيان عبد الغني حول استخدام ناقلات نفط إيرانية لوثائق عراقية مزورة للتهرب من العقوبات الدولية، ردود فعل متباينة في المشهد الجيوسياسي. جاءت هذه التصريحات بالتزامن مع تصاعد الحملة الأمريكية لفرض “أقصى الضغوط” على طهران، مما يضع العراق في موقف دبلوماسي بالغ الحساسية بين حليفيه الإقليمي والدولي[
تفاصيل الاتهامات العراقية للجانب الإيراني
كشف الوزير عبد الغني خلال مقابلة تلفزيونية يوم الأحد 23 مارس 2025 عن احتجاز القوات البحرية الأمريكية لناقلات نفط إيرانية في مياه الخليج، كانت تحمل وثائق شحن عراقية مُزوّرة. وأوضح أن التحقيقات المبدئية أظهرت أن هذه الناقلات التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية استخدمت شهادات منشأ مزورة لتصدير النفط الخام تحت غطاء عراقي.
وبحسب البيانات الرسمية، فإن شركة سومو الحكومية العراقية لتسويق النفط تؤكد التزامها بالشفافية الكاملة في عمليات التصدير، مع وجود نظام تتبع بالأقمار الصناعية لمراقبة حركة الناقلات. وقد بلغت قيمة عمليات تهريب الوقود الإيراني عبر العراق وفق تقديرات الخبراء مليار دولار سنوياً على الأقل، وفقاً لتقارير دولية.
الرد الإيراني الرسمي على الاتهامات
من جهتها، نفت وزارة النفط الإيرانية هذه المزاعم بشكل قاطع. وأكد علي محمد موسوي نائب الوزير للشؤون الدولية أن عمليات بيع النفط الإيراني تتم وفق جميع المعايير الدولية، واصفاً الاتهامات الأمريكية بأنها جزء من “حملة ضغط غير قانونية”.
وأشار المسؤول الإيراني إلى أن التصريحات العراقية استندت إلى معلومات منقوصة من مصادر أمريكية، معتبراً أن مثل هذه الادعاءات تهدف إلى تقويض العلاقات الاقتصادية بين طهران وبغداد. وجاء هذا الرد في وقت تشير فيه تقارير إلى اعتماد الاقتصاد الإيراني بشكل متزايد على المعابر الحدودية العراقية لعبور صادراته النفطية.
السياق الدولي: عودة سياسة “الضغط الأقصى” الأمريكية
تشكل هذه الأزمة جزءاً من الاستراتيجية الأمريكية المُعلنة منذ عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، والتي تهدف إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر عملياً. وقد شهدت الأشهر الأخيرة فرض أربع جولات عقوبات جديدة تستهدف بشكل خاص شبكات التهريب والكيانات المرتبطة بالحرس الثوري.
من جهة أخرى، تواجه بغداد ضغوطاً أمريكية متزايدة لاستئناف تصدير نفط إقليم كردستان عبر الموانئ التركية، مع تحذيرات واشنطن من احتمالية فرض عقوبات على العراق حال عدم الامتثال. هذا الوضع المعقد يضع الحكومة العراقية أمام تحديات جسيمة في موازنة التحالفات الإقليمية والدولية.
تداعيات الأزمة على العلاقات العراقية-الإيرانية
تشكل هذه الاتهامات اختباراً حقيقياً لـالشراكة الاستراتيجية بين البلدين الجارين. فمن ناحية، تعتمد إيران بشكل متزايد على المعابر العراقية لتعويض آثار الحصار الاقتصادي، فيما تسعى بغداد للحفاظ على العلاقات المتوازنة مع واشنطن وطهران.
خبراء الاقتصاد السياسي يشيرون إلى أن شبكات التهريب عبر الحدود العراقية-الإيرانية تحولت إلى نظام معقد يشمل استخدام وثائق مزورة وشركات وهمية، مع وجود تقارير عن تواطؤ مسؤولين محليين في بعض المحافظات الحدودية.
تحليل: مخاطر التصعيد وآفاق الحل
في ظل هذا التصعيد، يرى مراقبون أن الملف النفطي قد يصبح ورقة ضغط في المفاوضات النووية المزمع استئنافها. من ناحية أخرى، تحاول بغداد تفادي تحول أراضيها إلى ساحة لـالحرب الاقتصادية بين القوى الكبرى، عبر تعزيز آليات الرقابة على المنافذ الحدودية.
تشير التقديرات إلى أن 40% من الصادرات النفطية الإيرانية غير الرسمية تعبر عبر العراق، مما يفسر التركيز الأمريكي المتزايد على تعقب الشحنات في المياه الإقليمية العراقية. وفي هذا السياق، أعلنت البحرية الأمريكية عن تعزيز دورياتها في مضيق هرمز والخليج العربي بنسبة 35% خلال الربع الأول من 2025.
المستقبل الاقتصادي للعراق في ظل الأزمة
تواجه الحكومة العراقية تحدياً مزدوجاً يتمثل في الحفاظ على استقرار إيراداتها النفطية التي تشكل 90% من الميزانية، وفي الوقت ذاته تفادي الانزلاق إلى صراع جيوسياسي. وقد أعلنت وزارة النفط عن خطة لزيادة الإنتاج إلى 5 ملايين برميل يومياً بحلول نهاية 2026، مع التركيز على الأسواق الآسيوية.
في الختام، تبقى هذه الأزمة مؤشراً على التداخل المعقد بين الملفات الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة، حيث تتحول الأنشطة التجارية إلى أدوات في الصراعات الدولية، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على استقرار الاقتصادات الوطنية.