الولايات المتحدة تسلم سوريا قائمة شروط مقابل تخفيف جزئي للعقوبات
سلمت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً قائمة شروط إلى الحكومة السورية مقابل تخفيف جزئي للعقوبات المفروضة عليها، في خطوة تمثل أول اتصال دبلوماسي رفيع المستوى بين البلدين منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في يناير الماضي. وتضمنت القائمة عدة مطالب أساسية، من بينها ضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة السورية، وتدمير أي مخزون متبقي من الأسلحة الكيماوية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى المساعدة في تحديد مصير الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس.
تفاصيل الاجتماع الأمريكي السوري غير المعلن
وفقاً لمصادر مطلعة تحدثت لوكالة رويترز، قامت ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون بلاد الشام وسوريا، بتسليم قائمة المطالب الأمريكية لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال اجتماع خاص عقد على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في 18 مارس الجاري. ولم يتم الإعلان سابقاً عن هذا الاجتماع أو عن القائمة، مما يجعله أول تواصل مباشر رفيع المستوى بين دمشق وواشنطن منذ تولي الرئيس ترامب إدارة البيت الأبيض في يناير 2025.
وتحدثت رويترز إلى ستة مصادر لتأكيد هذه المعلومات، بينهم مسؤولان أمريكيان ومصدر سوري ودبلوماسي من المنطقة ومصدران مطلعان في واشنطن، وطلبت جميع المصادر عدم الكشف عن هوياتها نظراً لحساسية الموضوع دبلوماسياً. ويمثل هذا الاجتماع تطوراً مهماً في العلاقات الأمريكية السورية، خاصة بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية المشددة.
قائمة الشروط الأمريكية المقدمة لدمشق
تدمير الأسلحة الكيماوية والتعاون في مكافحة الإرهاب
من بين الشروط الرئيسية التي وضعتها الولايات المتحدة، طلبت واشنطن من دمشق تدمير أي مخازن أسلحة كيماوية متبقية والتعاون في مكافحة الإرهاب. تأتي هذه المطالب في سياق المخاوف الدولية المستمرة بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في الصراع السوري والحاجة إلى مكافحة الجماعات الإرهابية التي لا تزال تنشط في بعض المناطق السورية.
ضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية
أضاف المسؤولان الأمريكيان وأحد المصدرين في واشنطن أن من بين المطالب الأمريكية أيضاً التأكد من عدم تولي مقاتلين أجانب مناصب قيادية في الإدارة الحاكمة في سوريا. وقد أثار هذا المطلب اهتماماً خاصاً بعد أن عينت سوريا بالفعل بعض الأجانب الذين كانوا سابقاً في صفوف المعارضة، من الإيغور وأردني وتركي، في وزارة الدفاع، مما أثار قلق حكومات أجنبية.
المساعدة في تحديد مصير الصحفي الأمريكي أوستن تايس
طلبت واشنطن أيضاً من سوريا تعيين منسق اتصال لدعم الجهود الأمريكية للعثور على أوستن تايس، الصحفي الأمريكي الذي فُقد في سوريا منذ ما يزيد على 10 سنوات. وتعتبر قضية تايس من القضايا الإنسانية المهمة التي تتابعها الولايات المتحدة عن كثب منذ اختفائه في سوريا عام 2012.
العرض الأمريكي بتخفيف العقوبات
وفقاً للمصادر الستة التي تحدثت لرويترز، فإنه في مقابل تلبية جميع المطالب، ستقدم واشنطن تخفيفاً جزئياً للعقوبات المفروضة على سوريا. ومع ذلك، لم تحدد المصادر نوع التخفيف المقدم، كما أن واشنطن لم تقدم جدولاً زمنياً محدداً لتلبية هذه الشروط.
وتجدر الإشارة إلى أن سوريا في أمسّ الحاجة إلى تخفيف العقوبات لإنعاش اقتصادها المنهار من جراء الحرب التي استمرت ما يقرب من 14 عاماً، والتي فرضت خلالها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة على الأفراد والشركات وقطاعات كاملة من الاقتصاد السوري.
وقد تم تعليق بعض العقوبات مؤقتاً، لكن تأثيرها كان محدوداً. فقد أصدرت الولايات المتحدة في يناير الماضي ترخيصاً عاماً لمدة ستة أشهر لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية، لكن هذا الإجراء لم يعتبر كافياً للسماح لقطر بدفع رواتب القطاع العام من خلال البنك المركزي السوري.
الموقف الرسمي الأمريكي
وفي وقت سابق، صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب تراقب تصرفات السلطات السورية المؤقتة في الوقت الذي تُحدد فيه واشنطن سياستها المستقبلية.
وأكدت بروس للصحفيين خلال مؤتمر صحفي يومي أن “الولايات المتحدة لا تخطط لرفع العقوبات عن سوريا، لكنها ستسمح بالتعاملات المالية لأغراض إنسانية”. وأضافت: “نواصل أيضاً الدعوة إلى حكومة سورية شاملة بقيادة مدنية تضمن فعالية المؤسسات الوطنية وتجاوبها وتمثيلها”.
اختلاف وجهات النظر داخل الإدارة الأمريكية
يعتبر تسليم هذه المطالب الإشارة الأوضح حتى الآن حول سياسة إدارة ترامب تجاه سوريا. وقد ركزت البيانات الأمريكية على دعم الأقليات وإدانة التطرف الإسلامي، لكنها قالت القليل بخلاف ذلك، مما ترك حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل العقوبات وما إذا كانت القوات الأمريكية ستبقى منتشرة في الشمال الشرقي من سوريا.
ويعود ذلك جزئياً إلى وجهات النظر المختلفة في واشنطن حول كيفية التعامل مع سوريا. فقد كان بعض مسؤولي البيت الأبيض حريصين على اتخاذ موقف أكثر تشدداً، مشيرين إلى الارتباطات السابقة للقيادة السورية الجديدة مع تنظيم القاعدة كسبب للإبقاء على التواصل في حده الأدنى.
في المقابل، سعت وزارة الخارجية إلى اتباع نهج أكثر دقة تجاه سوريا، بما في ذلك مجالات محتملة للتعامل، وفقاً لما ذكرته المصادر. وقد أدت هذه الاختلافات في وقت سابق من هذا الشهر إلى مداولة حادة بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية بشأن بيان وزير الخارجية ماركو روبيو الذي أدان العنف في غرب سوريا، حيث قُتل مئات المدنيين من الطائفة العلوية – طائفة الأسد – بعد كمين نصبه مسلحون موالون للنظام السابق لقوات الأمن الجديدة.
المطالب السورية برفع العقوبات كاملة
من جانبهم، دعا المسؤولون السوريون، بمن فيهم وزير الخارجية الشيباني والرئيس المؤقت أحمد الشرع، إلى رفع العقوبات بالكامل، قائلين إن من غير العادل الإبقاء عليها بعد الإطاحة بالأسد في هجوم سريع للمعارضة في ديسمبر الماضي.
الآفاق المستقبلية للعلاقات الأمريكية السورية
يمثل هذا التطور الدبلوماسي منعطفاً جديداً في العلاقات الأمريكية السورية، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التفاوض بين البلدين. ومع ذلك، يبدو أن الطريق لا يزال طويلاً أمام رفع العقوبات الأمريكية بشكل كامل عن سوريا، حيث تصر واشنطن على ضرورة تلبية مطالبها أولاً.
وتبقى مسألة استجابة سوريا لهذه المطالب رهينة تطورات المشهد السياسي الداخلي السوري، والتوازنات الإقليمية والدولية، في ظل اقتصاد منهار وأزمة إنسانية مستمرة منذ سنوات.