اليوان الرقمي الصيني: تحديات تقنية وجيوسياسية في مواجهة هيمنة الدولار
شهد النظام المالي العالمي زلزالاً غير مسبوق يوم 17 مارس 2025، عندما أعلن بنك الشعب الصيني عن ربط نظام التسويات العابرة للحدود لليوان الرقمي مع 16 دولة في آسيان والشرق الأوسط. هذه الخطوة الجريئة، التي وصفتها مجلة الإيكونوميست بـ”معركة بريتون وودز 2.0″، تهدف إلى تحويل 38% من التجارة العالمية بعيداً عن نظام SWIFT التقليدي، مستفيدةً من تقنية البلوك تشين لإنشاء بنية مالية موازية
النظام الجديد مقابل SWIFT التقليدي
تمكنت الصين من تطوير جسر مدفوعات رقمي يختصر زمن التسوية الدولية من 3-5 أيام إلى 7 ثوانٍ فحسب، كما ظهر في الاختبار الأول بين هونغ كونغ وأبوظبي حيث انخفضت تكاليف المعاملات بنسبة 98%. يعتمد النظام الجديد على دفتر حسابات موزع يلغي الحاجة إلى ستة بنوس وسيطة، مع تتبع آلي لمكافحة غسيل الأموال عبر عقود ذكية. في مشروع مشترك مع إندونيسيا، تمت تسوية صفقة تجارية خلال 8 ثوانٍ فقط، أسرع بمئة مرة من الأنظمة التقليدية.
البنية التحتية التقنية لـ mBridge
يعتمد المشروع على شبكة بلوك تشين مغلقة تسمح للبنوك المركزية بإصدار عملات رقمية ذات سيادة وطنية. خلال التجربة العملية عام 2022، تمت تسوية 22 مليون دولار عبر 160 معاملة بين 20 بنكاً تجارياً في أربع دول، مع إصدار ما قيمته 12 مليون دولار من العملات الرقمية تتيح المنصة للمشاركين تبادل العملات مباشرة دون المرور بالدولار، حيث يتم التحويل الفوري بين العملات الرقمية للبنوك المركزية عبر عقود ذكية تلتزم بالتشريعات المحلية.
التأثير على المشهد المالي العالمي
شهدت دول آسيان زيادة بنسبة 120% في حجم التسويات باليوان منذ 2021، حيث تجاوزت 5.8 تريليون يوان عام 2024. أدرجت ست دول منها ماليزيا وسنغافورة اليوان ضمن احتياطياتها النقدية، بينما أتمت تايلاند أول صفقة نفط باليوان الرقمي. في الشرق الأوسط، مكن النظام الجديد تجار الطاقة من خفض تكاليف التسوية بنسبة 75%، مع توقعات بتحويل 60% من صفقات النفط بين الصين والسعودية إلى اليوان الرقمي بحلول 202.
تآكل الهيمنة الأمريكية
يشكل المشروع تحدياً مباشراً لـ”الامتياز الباهظ” الذي يتمتع به الدولار منذ 1944. تتيح البنية الجديدة للدول تجنب العقوبات الأمريكية، كما حدث مع إيران التي تعاملت عبر حلقة دفع صينية مغلقة. تعمل 23 بنكاً مركزياً على اختبار المنصة، بما في ذلك دول بريكس التي تدرس إنشاء “جسر بريكس” مالي مستقل.
الأبعاد الجيوسياسية للصراع النقدي
الاستراتيجية الصينية متعددة المستويات
تعمل بكين على ثلاث جبهات متوازية: تعميق التداول المحلي عبر 500 مليون محفظة رقمية، وتوسيع النطاق الإقليمي عبر آسيان، واختراق الأسواق النفطية عبر الشرق الأوسط. تهدف الصين إلى تحويل 30% من تجارتها البينية إلى اليوان الرقمي بحلول 2027، مع تركيز خاص على سلاسل التوريد الإلكترونية بين شنغهاي ودبي.
ردود الفعل الدولية
أبدى الفيدرالي الأمريكي قلقاً من تراجع استخدام الدولار في 38% من المعاملات الآسيوية، بينما تسارع دول الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا لاختبار أنظمة دفع رقمية مماثلة في المقابل، تشهد دول الجنوب العالمي حماساً متزايداً، حيث انضم 12 بنكاً مركزياً أفريقياً إلى منصة mBridge كمراقبين خلال الربع الأول من 2025
التحديات والمخاطر المستقبلية
تواجه المبادرة تحديات في التوافق بين الأنظمة التنظيمية المتباينة، حيث تختلف متطلبات مكافحة غسيل الأموال بين الصين والإمارات بنسبة 40% كما أثارت مخاوف الخصوصية بسبب القدرة على تتبع 100% من المعاملات عبر البلوك تشين من الناحية السياسية، تواجه الصين مقاومة من حلفاء الولايات المتحدة مثل اليابان الذين يحجمون عن الانضمام للمنصة
المخاطر الاقتصادية المحتملة
يحذر خبراء صندوق النقد الدولي من مخاطر التجزؤ النقدي العالمي، حيث قد يؤدي انتشار العملات الرقمية السيادية إلى خفض كفاءة التجارة الدولية بنسبة 15% كما تشكل التقلبات الحادة في قيمة اليوان تحدياً، حيث فقد 8% من قيمته أمام سلة العملات خلال النصف الأول من 2025
آفاق التحول النقدي العالمي
تشير التقديرات إلى أن اليوان الرقمي قد يحتل المرتبة الثانية في المدفوعات الدولية بحلول 2028 بنسبة 12%، مقارنة بـ 50% للدولار.تعمل الصين على تطوير جيل ثانٍ من المنصة يدعم الذكاء الاصطناعي في إدارة المخاطر، بينما تدرس دول بريكس إطلاق عملة رقمية مشتركة مستوحاة من نموذج mBridge. في الختام، يمثل هذا التحول التاريخي نقلة نوعية في موازين القوى المالية العالمية، مع إعادة تعريف مفاهيم السيادة النقدية في العصر الرقمي.