حين يُمنح مفتاح الصدقات لمن تحوم حولها شبهات الفساد، يصبح السؤال مشروعًا: أهذا اجتهادٌ خاطئ، أم استهانة بمكانة الأزهر وثقة المتبرعين؟
أثار قرار شيخ الأزهر الشريف بتعيين سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي السابقة، في منصب أمين صندوق الزكاة والصدقات، جدلًا واسعًا في الأوساط المصرية وعلى منصات التواصل الاجتماعي. واعتبر الكثيرون أن هذا التعيين يطرح تساؤلات حول معايير الاختيار ومدى ملاءمة نصر لهذا المنصب الحساس، خاصة في ظل الحديث عن شبهات فساد مالي وإداري ارتبطت باسمها خلال فترة عملها الحكومي.
ألم يكن الأولى أن توكل هذه الأمانة الثقيلة إلى رجل مشهود له بالنزاهة والتقوى، لا إلى شخصية تثير الجدل، وتبعث في النفوس تساؤلات لا تنتهي؟ أم أن الأزهر، الذي طالما كان حصنًا للقيم، بدأ يتنازل عن ثوابته أمام اعتبارات أخرى؟

من هي سحر نصر؟
سحر نصر هي اقتصادية مصرية تولت وزارة الاستثمار والتعاون الدولي في الفترة بين عامي 2015 و2019، وخلال هذه الفترة أثيرت عدة قضايا جدلية تتعلق بسياسات الاستثمار في مصر، بالإضافة إلى مزاعم عن علاقاتها بشخصيات بارزة مثل باسل أسامة الباز وداليا خورشيد، وهو ما جعل البعض يربط اسمها بقضايا فساد واستغلال نفوذ.
كما عملت نصر في مؤسسات مالية دولية، ولعبت دورًا مهمًا في التفاوض مع المؤسسات المانحة والمستثمرين الأجانب، لكن العديد من المراقبين انتقدوا إدارتها لملفات الاستثمار، واعتبروها مسؤولة عن بعض القرارات الاقتصادية التي أثرت سلبًا على الاقتصاد المصري، خاصة فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية.

أسباب الجدل حول تعيينها في الأزهر
1- موقع حساس يتطلب النزاهة والثقة
يعد صندوق الزكاة والصدقات التابع لمؤسسة الأزهر أحد أهم المؤسسات الخيرية في مصر، حيث يتولى جمع أموال الزكاة والتبرعات من المواطنين وتوزيعها على المحتاجين وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية. وبالتالي، فإن هذا المنصب يتطلب شخصية تحظى بسمعة طيبة ونزاهة لا يرقى إليها الشك، وهو ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن أسباب اختيار شخصية مثيرة للجدل مثل سحر نصر.
2- ارتباط اسمها بقضايا فساد
خلال توليها وزارة الاستثمار، واجهت نصر انتقادات حادة تتعلق بـشبهات فساد إداري ومالي، بالإضافة إلى اتهامات بمحاباة رجال الأعمال والتعامل مع شخصيات نافذة مثل باسل أسامة الباز وداليا خورشيد. هذه الخلفية جعلت الكثيرين يرون أن تعيينها في مؤسسة دينية عريقة مثل الأزهر لا يتناسب مع طبيعة المنصب الذي يشرف على أموال المتبرعين.
3- هل خلت مؤسسة الأزهر من شخصيات أمينة؟
طرح المنتقدون تساؤلًا جوهريًا: “هل خلت مؤسسة الأزهر من شخصيات أكثر نزاهة وأمانة لتولي هذا المنصب؟”، خاصة أن الأزهر يضم كوادر علمية وإدارية كبيرة قادرة على إدارة أموال الزكاة بكفاءة وشفافية. واعتبر البعض أن اختيار شخصية من خارج المؤسسة الدينية يحمل دلالات سلبية حول منهجية تعيين القيادات في الأزهر.
4- تأثير التعيين على ثقة المتبرعين
يعتمد صندوق الزكاة والصدقات في تمويله على تبرعات المصريين والمواطنين المسلمين من داخل وخارج مصر، مما يجعله حساسًا لأي قرارات قد تؤثر على ثقة المتبرعين في كيفية إدارة أموالهم. ورأى البعض أن تعيين شخصية عليها علامات استفهام قد يؤثر على ثقة المواطنين في الصندوق، وبالتالي يؤدي إلى تراجع التبرعات.

ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي
شهدت وسائل التواصل الاجتماعي موجة واسعة من الانتقادات بعد الإعلان عن تعيين سحر نصر، حيث اعتبر المغردون والناشطون أن الأزهر قد ارتكب خطأ فادحًا باختيار شخصية ذات تاريخ مثير للجدل في قضايا الإدارة المالية.
وجاءت بعض التعليقات على النحو التالي:
- “كيف يتم تعيين شخص متورط في قضايا فساد لإدارة أموال الزكاة؟ الأزهر مسؤول عن أموال الفقراء، وليس عن إعادة تدوير الفاسدين في مناصب جديدة!”
- “لو أن الأزهر يريد تعيين اقتصادي، فلماذا لم يختار شخصية مستقلة معروفة بالنزاهة بدلًا من شخصيات عليها شبهات؟”
- “هذا القرار يضر بسمعة الأزهر، خاصة أن أموال الصدقات والزكاة تحتاج إلى إدارة أمينة ومحايدة.”
هل سيعيد الأزهر النظر في التعيين؟
حتى الآن، لم يصدر أي تعليق رسمي من الأزهر الشريف حول أسباب اختيار سحر نصر لهذا المنصب، كما لم يصدر أي رد على الانتقادات التي انتشرت على نطاق واسع.

ورغم الجدل، فإن هناك احتمالًا أن يتراجع الأزهر عن هذا التعيين تحت ضغط الرأي العام، خاصة إذا تصاعدت الاعتراضات من داخل المؤسسة أو من الجهات الرقابية.
يظل تعيين سحر نصر أمينًا لصندوق الزكاة والصدقات بالأزهر قضية مثيرة للجدل، حيث يضع الأزهر أمام اختبار الشفافية والمسؤولية في إدارة أموال المسلمين. وبينما يرى البعض أن هذا القرار قد يكون مجرد خيار إداري عادي، إلا أن تاريخ نصر المثير للجدل جعل منه قضية رأي عام تتطلب إجابات واضحة من مؤسسة الأزهر حول معايير الاختيار ومدى التزامها بضمان نزاهة وشفافية إدارة أموال التبرعات والزكاة.