زيارة البرهان وتطورات الحرب الأهلية السودانية
في تطور بارز يعكس تحولاً في مسار الحرب الأهلية السودانية، زار رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الأربعاء، القصر الجمهوري في العاصمة الخرطوم، معلناً أن “الخرطوم حرة” بعد أيام من استعادة الجيش السيطرة على هذا المعلم الرمزي من قوات الدعم السريع (RSF). وتمثل هذه الزيارة تأكيداً على المكاسب الميدانية المتسارعة التي حققها الجيش السوداني خلال الأسابيع الأخيرة في العاصمة وضواحيها.
تفاصيل زيارة البرهان والمكاسب العسكرية الجديدة
حط البرهان بطائرته الخاصة داخل مطار الخرطوم لأول مرة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، في خطوة رمزية تؤكد الثقة المتزايدة للجيش بقدرته على السيطرة على العاصمة. وتأتي هذه الزيارة بعد أيام قليلة من استعادة الجيش للقصر الجمهوري الذي كان أحد أبرز معاقل قوات الدعم السريع في وسط الخرطوم.
وأعلن الجيش السوداني اليوم الأربعاء سيطرته على معسكر طيبة الحسناب جنوب العاصمة، والذي وصفته المصادر العسكرية بأنه آخر قواعد قوات الدعم السريع في وسط السودان وآخر معقل لها في ولاية الخرطوم. كما أكد قائد عمليات الخرطوم أن قوات الجيش تحرز تقدماً في شرق الخرطوم، حيث تمكنت من عبور جسر المنشية وتمشيط المنطقة الشرقية للجسر بالكامل.
تطويق مطار الخرطوم
وفقاً لمصدرين عسكريين، يقوم الجيش السوداني حالياً بتطويق مطار الخرطوم الدولي والمناطق المحيطة به في إطار جهوده لطرد قوات الدعم السريع من آخر معاقلها في العاصمة. وذكر شهود عيان أن قوات الدعم السريع ركزت قواتها في جنوب الخرطوم، فيما يبدو أنها تؤمن انسحابها من المدينة عبر الجسور المؤدية إلى مدينة أم درمان المجاورة.
استعادة القصر الجمهوري: نقطة تحول في الصراع
أعلن الجيش السوداني يوم الجمعة الماضي (21 مارس 2025) استعادته للقصر الجمهوري في وسط الخرطوم بعد معارك عنيفة استمرت أربعة أيام، وهو ما يمثل انتصاراً رمزياً مهماً في الحرب المستمرة منذ قرابة عامين. وظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر جنوداً سودانيين داخل القصر التاريخي، وهم يرددون هتافات النصر. ويمثل القصر الجمهوري، الذي يظهر على العملات والطوابع السودانية، رمزاً للسلطة في البلاد، إذ كان مقراً للحكومة قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023.
وجرت المعركة للسيطرة على القصر وفق خطة محكمة شملت قصفاً مدفعياً مكثفاً وإنزالات برية على محورين رئيسيين، حيث اخترقت وحدات القوات الخاصة القصر من البوابة الشرقية بعد مواجهة مقاومة شرسة من قوات الدعم السريع.
تداعيات المكاسب العسكرية الأخيرة
على الرغم من المكاسب الأخيرة التي حققها الجيش في العاصمة، يحذر المحللون من أن الحرب لا تزال بعيدة عن نهايتها، مع استمرار سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق واسعة في غرب السودان. وفي زيارته للخرطوم، أكد البرهان التزام الجيش بمواصلة العمليات العسكرية حتى “التحرير الكامل للسودان”، مشيراً إلى أن “المعركة ليست انتهت بعد، وسنستمر”.
وقد أدت التطورات الأخيرة إلى ترسيخ خطوط المواجهة بين الطرفين المتحاربين، مما يزيد من مخاوف تقسيم البلاد فعلياً، حيث يسيطر الجيش على المناطق الشرقية والشمالية وأجزاء من جنوب شرق البلاد، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على المناطق الغربية والجنوبية الغربية.
خلفية الصراع ومساره
اندلع الصراع في السودان في منتصف أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بعد فترة من التعاون المشترك الذي أطاح بحكم الرئيس السابق عمر البشير في 2019.
ومن أبرز نقاط الخلاف التي أدت إلى اندلاع الحرب كان الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة النظامية، حيث كانت قوات الدعم السريع تدعو إلى عملية تستغرق عشر سنوات، بينما اقترح الجيش جدولاً زمنياً مدته عامين. وخلال العامين الماضيين من الصراع، تمكن الجيش السوداني من استعادة السيطرة على معظم مناطق الخرطوم، بينما عززت قوات الدعم السريع سيطرتها على غرب السودان، وخصوصاً في إقليم دارفور، مما يهدد بتقسيم البلاد فعلياً إلى مناطق نفوذ متنافسة.