شهدت منصات التواصل الاجتماعي في المغرب تحولا كبيرا في استخداماتها خلال السنوات الأخيرة
شهدت منصات التواصل الاجتماعي في المغرب تحولا كبيرا في استخداماتها خلال السنوات الأخيرة، حيث تجاوزت دورها التقليدي في التواصل والترفيه لتصبح منصات للتوفيق وإيجاد شريك الحياة بطريقة علنية، مما أثار جدلا واسعا في المجتمع المغربي حول مشروعية وأخلاقيات هذه الظاهرة. وبرزت منصة “تيك توك” تحديدا كساحة رئيسية لهذه الظاهرة، حيث ظهرت برامج وحسابات متخصصة في الترويج للزواج وربط الراغبين في الارتباط، وسط مخاوف من الاحتيال والاستغلال ونشر قيم مغايرة للمجتمع المغربي.
ظاهرة “زواج تيك توك”
ومن أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة برنامج يبث مباشرة عبر منصة “تيك توك” يديره مهاجر مغربي مقيم في إيطاليا يعرف باسم “الفقيه”. يقوم هذا البرنامج ببث يومي مباشر لتلقي طلبات الزواج من الرجال والنساء بهدف التوفيق بينهم. وقد أثار البرنامج اهتماما كبيرا لدى المستخدمين المغاربة، مما دفع إلى طرح تساؤلات جدية حول إمكانية اعتبار منصات مثل “تيك توك” وسيلة واقعية وفعالة للعثور على شريك الحياة.
ويشير الأخصائي النفسي والباحث في علم النفس الاجتماعي، تأثير وسائل التواصل على العلاقات الاجتماعية “ياسين أمناي”، إلى أن فكرة الزواج عن بعد ليست جديدة تماما في المغرب، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” وقبلها مواقع متخصصة بالزواج قصص زواج ناجحة في الماضي. لكن الجديد في ظاهرة “زواج تيك توك” هو انتقال عملية التوفيق من السرية إلى العلن، حيث يظهر كل من الرجل والمرأة والوسيط أمام جمهور المنصة، بعدما كانت التقنية هي الوسيط الوحيد في السابق.
وفقا لأمناي، فإن نجاح “الفقيه” في تزويج أكثر من 500 زوجين يؤكد أن العثور على شريك الحياة عبر “تيك توك” أصبح واقعا ملموسا، يعكس تحولا في السياق المغربي وانفتاح الأفراد على العالم الرقمي. كما أشار إلى أن هذه الظاهرة تعبر عن تحولات في معايير اختيار شريك الحياة، حيث لم يعد الأصل والعائلة والمستوى الاجتماعي هي المعايير الحاسمة فقط، بل أصبح التركيز على الشخص نفسه بغض النظر عن خلفيته.
مخاطر الاحتيال والابتزاز
رغم الإيجابيات التي قد تحملها هذه الظاهرة، إلا أن هناك مخاوف جدية من المخاطر المصاحبة لها. وتؤكد الناشطة المدنية بشرى الإدريسي أن الزواج عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبح أمرا شائعا وله إيجابياته، خاصة بالنسبة لمن يجدون صعوبة في إيجاد شريك مناسب في حياتهم الواقعية، لكنها تحذر في الوقت نفسه من مخاطر الاحتيال والابتزاز التي قد يتعرض لها مستخدمو هذه المنصات.
وتضيف الإدريسي أنه “هناك اختلاف في وجهات النظر حول الموضوع، من ناحية أخلاقية ومن ناحية الخوف من التعرض للنصب والاحتيال، فقد انتشرت الكثير من الحالات والتجارب خاصة عند العرب عن النصب عن طريق الإنترنت بالجذب بقصد الزواج، كما قد يشكل فرصة لانتشار الجرائم الإلكترونية مثل الابتزاز المالي من خلال معلومات شخصية قد يحصل عليها المحتالون”.
كما نبهت الإدريسي إلى مخاطر أكثر خطورة قائلة: “مثل هذه الظواهر قد تقود أحيانا إلى النخاسة المعاصرة، وهي أيضا من المخاطر التي ظهرت في بعض نماذج الاستدراج عن طريق الزواج عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي”.
الزيجات المزيفة وصناعة المحتوى
شهدت الساحة المغربية على “تيك توك” هذا العام العديد من الاتجاهات المثيرة للقلق، بما في ذلك ظاهرة “الزيجات المزيفة” التي تهدف إلى صناعة المحتوى وجذب المشاهدات. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الزواج المزعوم بين صانع المحتوى المعروف باسم “رضا ولد الشينوية” والمستخدمة الأخرى. لقد شهد المستخدمون المغاربة لتطبيق “تيك توك” خلال الأشهر الماضية مقاطع فيديو عديدة تعرض لقاءات العائلات وحفل خطوبة وحوالي ثلاثة أعراس أقيمت على مدار الشهر الماضي. وقد حققت هذه المقاطع ملايين المشاهدات لعدة أسباب، منها الفارق العمري بين الزوجين، حيث يزعم أن آية قاصر، وكون الزفاف ليس سوى إعلان للترويج لخدمات معينة في مجال التجميل وتنظيم المناسبات.
إشكالية الزيجات المزيفة
إضافة إلى إشكالية الزيجات المزيفة، برزت مخاوف أخرى تتعلق باستغلال الأطفال على منصة “تيك توك” في المغرب. حيث يمكن رؤية العديد من القاصرين المغاربة وهم ينشئون محتوى على المنصة، إما بمرافقة أحد الوالدين أو الأوصياء، أو بمفردهم، مما يثير تساؤلات عديدة حول ما إذا كان ينبغي السماح للأطفال في سن مبكرة بالتواجد على التطبيق أصلا.
الأمثلة البارزة “آية ستار”، نجمة يوتيوب المغربية الطفلة المعروفة بنبرتها المحببة ومدوناتها المصورة التي تقدم لمحة عن حياتها اليومية، والتي اكتسبت شهرة أيضا في “تيك توك”. وقد أثارت إحدى مدوناتها المصورة قبل بضعة أشهر انتقادات واسعة، حيث سخرت من أقاربها من جهة الأب، مما أثار مخاوف كبيرة بشأن حماية القاصرين في مجال التعرض الرقمي الواسع.
كما تظهر طفلة مغربية أخرى نشطة على “تيك توك” تعرف باسم “رانية”، ويشتبه في أنها تبلغ من العمر حوالي 10 سنوات، ومعظم مقاطع الفيديو الخاصة بها هي لقطات لها وهي تأكل. وغالبا ما تظهر رانية مع والدتها في مقاطع الفيديو، ويمكن العثور على مقاطع الفيديو الخاصة بها في حساب يضم ما يقرب من مليون متابع على “تيك توك”.
تأثير التحولات الاجتماعية وثقافة الصورة
ويحذر الأخصائي النفسي ياسين أمناي من أن ثقافة الصورة التي يروج لها “تيك توك” قد تؤدي إلى اختيارات غير موضوعية، مشددا على أهمية التوازن بين المعايير المادية والقيم الأخلاقية في اختيار شريك الحياة.
ويضيف أمناي أن التحولات التي حدثت في السياق المغربي أبانت عن انفتاح الأفراد على الواقع الرقمي الشبكي الذي أصبح حضوره يوازي المجتمع الواقعي، مشيرا إلى ما يتيحه من السماح بالتقاء شخصين بالرغم من البعد الجغرافي، والتوافق حول دوافع الاختيار.
ردود فعل المجتمع المغربي
وأثارت هذه الظواهر ردود فعل قوية داخل المجتمع المغربي، وخاصة عندما وصلت إلى حد استخدام شعارات رسمية لإضفاء الشرعية على بعض الأنشطة. فقد وجدت وزارة الثقافة المغربية نفسها في قلب الجدل الأسبوع الماضي، بعدما ادعى أحد مؤثري “تيك توك” أنه تلقى “جائزة شرفية” من الوزارة خلال حفل جوائز تيك توك.
وقد نفت الوزارة هذه الأخبار وأكدت أنها لا تملك أي صلة بجائزة “تيك توك” التي تم تداولها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأعربت الوزارة عن أسفها لنشر صور وأدلة غير مصرح بها، مؤكدة أنه في حين تدعم الوزارة بنشاط مختلف المبادرات الثقافية والفنية في جميع أنحاء البلاد، فإنها تحظر بشكل صارم الاستخدام غير المصرح به لشعارها الرسمي وهويتها البصرية لتوزيع الشهادات أو الترويج لأحداث معينة.
تحذير الخبراء
ويتفق الخبراء على أن منصة “تيك توك” أصبحت مصدرا مهما للدخل لصناع المحتوى في جميع أنحاء العالم، لكن في المغرب، غالبا ما ترتبط بمحتوى مشكوك فيه وإثارة الجدل والخلافات. هذا الواقع يطرح تحديات كبيرة أمام المجتمع المغربي فيما يتعلق بالتوازن بين الانفتاح على التكنولوجيا الحديثة والحفاظ على القيم والأخلاقيات المجتمعية.
تظل ظاهرة “زواج تيك توك” في المغرب مثالا حيا على التغيرات الاجتماعية العميقة التي تحدثها وسائل التواصل الاجتماعي، وتكشف عن الحاجة إلى إطار تنظيمي وتوعوي يحمي المستخدمين، خاصة الفئات الأكثر عرضة للاستغلال، ويضمن استخدام هذه المنصات بطريقة إيجابية تخدم المجتمع وتحافظ على قيمه وترابطه.