كشفت تقارير إسرائيلية مؤخرا عن تورط رئيس الوزراء السوري الأسبق، جميل مردم، في خيانة خطيرة للقضية الفلسطينية في أربعينيات القرن الماضي. هذه الحادثة تضاف إلى سلسلة من الأعمال السياسية التي تثير تساؤلات كبيرة حول دور العديد من الشخصيات السياسية في تقويض المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني.
جمع الأموال لشراء أسلحة للمقاومة الفلسطينية
وفي عام 1947، نشأت واحدة من القصص المظلمة في تاريخ المقاومة العربية ضد الاحتلال الصهيوني، حيث قام عدد من الفلسطينيين والسوريين بالتبرع بأموالهم وممتلكاتهم من أجل شراء صفقة أسلحة من تشيكوسلوفاكيا، بهدف دعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
لكن، بمرور الوقت، تبين أن الصفقة لم تكن مجرد دعم للمجاهدين في فلسطين، بل كانت جزءا من مؤامرة أعمق تورطت فيها شخصيات بارزة وساهمت في تسليم الأسلحة إلى قوات الاحتلال.

الصفقة المريبة والتورط مع “الهاغناة”
تحت إشراف رئيس الوزراء السوري آنذاك، جميل مردم، تم التخطيط لشراء الأسلحة وتوزيعها على المقاومة الفلسطينية في محاولة لتعزيز قوتها ضد الهجوم الصهيوني. ورغم أن الشعب السوري والفلسطيني كانوا يطمحون إلى دعم هذه العملية، إلا أن الصفقة واجهت اعتراضات كبيرة من قبل الوكالة اليهودية، التي اعتبرت أن هذه الأسلحة ستكون تهديدا لنشاطاتها في فلسطين.
الغريب أن هناك شكوكا كبيرة حول أن اتفاقا سريا قد تم بين جميل مردم والوكالة اليهودية، خاصة أنه تم تجنيده لصالحها في وقت سابق أثناء عمله كسفير لسوريا في القاهرة.
التلاعب والاحتيال في عملية نقل الأسلحة
عندما كانت السفينة التي تحمل الأسلحة قد وصلت إلى موانئ إيطاليا، تم ترتيب عملية تحويل وجهتها من ميناء بيروت إلى ميناء الإسكندرية، ثم إلى فلسطين، حيث كان في انتظارها عناصر من عصابات “الهاغناة” الصهيونية.
وفي هذا السياق، تورط المقدم فؤاد مردم، ابن شقيق جميل مردم، والذي تم إرساله إلى روما، حيث التقى بالجاسوسة اليهودية “أدا بلماس سريني”. وقد قام بتغيير مسار السفينة بتوجيه من الجاسوسة لصالح الكيان الصهيوني.
التضليل والخيانة الكبرى
في وقت لاحق، قام فؤاد مردم بإبلاغ السلطات السورية بأن السفينة قد تم احتجازها في اليونان، في محاولة للتغطية على التلاعب الذي حدث. ومع مرور الوقت، تبين أن هذا كان كذبا لتغطية الخيانة التي قام بها. هذا التضليل أدى إلى اكتشاف القصة الحقيقية، وتمت محاكمة فؤاد مردم بتهمة الخيانة العظمى.

وفي 24 أبريل 1949، تم الحكم على فؤاد مردم بالإعدام شنقا، ولكن انقلاب حسني الزعيم في نفس العام أنقذه من تنفيذ الحكم، ومن ثم تم العفو عنه.
اعترافات ووثائق جديدة تكشف الخيانة
في عام 1950، نشرت صحيفة “Intermountain Jewish News” اليهودية تقريرا يكشف عن تفاصيل الحادثة، موضحة دور الجاسوسة “أدا بلماس سريني” في تحويل السفينة لصالح الصهاينة. كما أظهرت وثائق وزارة الخارجية الأمريكية في نفس العام أن مردم كان تحت تأثير الجاسوسة اليهودية التي عملت لصالح الهاغناة. في عام 2006، كشف الجاسوس الصهيوني “أمنون يونا” تفاصيل إضافية، كما أبرز وثائق تشير إلى أن الصفقة تم تسليمها لاحقا إلى الكيان الصهيوني.
تورط شخصيات بارزة وخيانة أوسع
لم تكن الخيانة محصورة في فرد واحد، بل كانت جزءا من شبكة معقدة من التواطؤ بين شخصيات سورية بارزة، مثل وزير الدفاع السوري أحمد الشرباتي، الذي كانت له اتصالات مع الهاغناة أثناء عملية نقل السفينة. كما أن انقلاب حسني الزعيم في 1949 أسهم في تغييرات أخرى بالمسار السياسي وأدى إلى العفو عن فؤاد مردم.