في تصعيد جديد للخطاب المناهض للحجاب في فرنسا، أثار وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو جدلا واسعا بعد هتافاته ضد الحجاب ووصفه الإسلاموية بأنها “السم الذي يهدد الجمهورية” خلال تجمع سياسي أقيم مؤخرا في باريس. وتأتي هذه التصريحات في سياق جدل متصاعد حول العلمانية والهوية في فرنسا، وتعكس تنامي الخطاب اليميني المتشدد ضد الرموز الإسلامية في المجتمع الفرنسي.
تصريحات ريتايو وتفاصيل التجمع
هتف وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو ضد الحجاب خلال تجمع نظمته مجموعة “تحرك معا” المنبثقة عن الشبكة الأوروبية للقيادة، في أول تجمع كبير “ضد الإسلاموية” في فرنسا.
وأمام حشد يقارب 2000 شخص، وعد ريتايو “بعدم الاستسلام والتراجع في مواجهة التطرف الإسلامي”، واصفا الإسلاموية بأنها “السم الذي يهدد الجمهورية”.
وقد أطلق ريتايو هتافات مثيرة للجدل قائلا: “تحيا الرياضة، يسقط الحجاب”، مؤكدا أن “الحجاب ليس رمزا للحرية ولا مكان له في الرياضة”، ومضيفا أن “الرياضة مثل الجمهورية، يجب أن تكون الرياضة ملاذا”.
وجرى التجمع تحت شعار “من أجل الجمهورية… فرنسا ضد الإسلاموية!”، حيث أكد ريتايو، المرشح المحتمل لرئاسة حزب الجمهوريين اليميني، أن “فرنسا تواجه تهديدا انفصاليا واحدا هو الإسلاموية”. ووصف أريه بنسهون، مدير مجموعة “تحرك معا”، التجمع بأنه “أول تجمع كبير ضد الإسلاموية في فرنسا”.
خلفية تاريخية لمواقف ريتايو من الحجاب
ليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها ريتايو جدلا حول مواقفه تجاه الحجاب والمسلمين في فرنسا. فقد سبق وأثار في يناير 2025 جدلا واسعا بوصفه الحجاب بأنه “رمز للدونية”، بعد إعلانه عزم الحكومة منع ارتدائه من قبل الأمهات المرافقات في الرحلات المدرسية.
وفي تصريحات سابقة، قال ريتايو: “يجب ألا تكون النساء المرافقات محجبات… الحجاب هو رمز للإسلاموية وعلامة على خضوع النساء للرجال”.
وأضاف أن “على الدولة التحرك” لوقف انتشار ما وصفها بـ”الإسلاموية المتشددة” في الأماكن العامة والأنشطة الرياضية والرحلات المدرسية.
وكان ريتايو قد حاول في السابق إدراج حظر الحجاب في الأماكن العامة ضمن “قانون الانفصالية” سنة 2021، مؤكدا أن “الحجاب هو علامة الفصل العنصري الجنسي”.
السياق السياسي للتصريحات والتجمع
تأتي تصريحات ريتايو في إطار سياق سياسي معقد، حيث ينظر إليه كمرشح محتمل لرئاسة حزب الجمهوريين اليميني. وقد ذكرت وسائل إعلام فرنسية أن التجمع نظمته مجموعة “تحرك معا”، وهي مبادرة أطلقتها الشبكة الأوروبية للقيادة التي تقول إنها تكرس عملها لـ”تعزيز العلاقات بين فرنسا وأوروبا وإسرائيل”.
وشارك في التجمع أيضا وزير الأقاليم ما وراء البحار سيباستيان لوكورنو، الذي شن هجوما على حزب “فرنسا الأبية” اليساري، متهما إياه “بالتواطؤ مع معاداة السامية”، ووصف منتقدي سياسته بـ”المتساهلين مع الكراهية”.
وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا تحتضن أكبر جالية إسلامية في أوروبا، ومع ذلك هناك قلق رسمي متزايد مما يعتبره البعض جهودا تسعى لتغيير النظم الاجتماعية الغربية.
ردود الفعل والانتقادات
أثارت تصريحات ريتايو انتقادات واسعة من عدة جهات سياسية، خصوصا من اليسار الفرنسي. فقد هاجم زعيم حزب “فرنسا الأبية” جان لوك ميلونشون التجمع عبر منصة “إكس”، واصفا المشاركين فيه بـ”أسوأ العنصريين والمعادين للإسلام”.
كما تساءل ميلونشون: “كيف يمكن لوزراء في الحكومة الحالية، يمثلون دولتنا، أن يشاركوا في مثل هذه المهزلة بجانب عنصريين ومعادين للإسلام؟”.
من جانبها، انتقدت النائبة عن حزب “فرنسا الأبية”، كلير غيتون، تصريحات لورو، معتبرة أنها “تعيق جهود الدبلوماسية الفرنسية في مجال حقوق الإنسان”.
وعبر معلق قناة “بي.أف.تيفي”، ماثيو كرواسوندو، عن استغرابه لتصريحات وزير الداخلية، مشيرا إلى أن الوزير مسؤول في دائرته عن المكتب المركزي للعبادات، المكلف بالعلاقات بين الدولة وممثلي الأديان في البلد. وقال إن “مهمة الوزير هي ضمان حياد الدولة باسم اللائكية وحلحلة المشاكل في هذا المجال، وليس إطلاق استفزازات”.
تداعيات على المجتمع الفرنسي والجالية المسلمة
تثير هذه التصريحات مخاوف متزايدة في أوساط الجالية المسلمة في فرنسا، خاصة النساء المحجبات. وقد اعتبر نشطاء أن مثل هذه الإجراءات تتجاوز الأسوار المدرسية لتشمل كل مكان عام، وتزيد من إقصاء النساء اللواتي يرفضن أن يفرض عليهن المجتمع كيف يظهرن للعالم ويقيد حريتهن.
ويرى مراقبون أن روتايو بات عاجزا تماما عن تجسيد وضمان حياد الدولة ومؤسساتها تجاه مكونات المجتمع الفرنسي، وأنه غرق في هواجسه العنصرية أو في طموحاته الحزبية، في سبيل الظفر بزعامة وقيادة حزب الجمهوريين اليميني، ولو على حساب بلده.