كشف تقرير صادر عن مركز الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا (ISS Africa) عن تأثير التحويلات المالية المتزايدة على الاقتصاد المصري، مشيرا إلى أن هذه التحويلات أصبحت مصدرا حيويا لتمويل التنمية والحد من الفقر. التقرير يدعو إلى تعزيز البيئة الاستثمارية وتشجيع المغتربين على المشاركة في المبادرات التنموية عبر إقامة علاقات قوية مع مجتمع الشتات، مستشهدا بالمبادرات الناجحة في دول أخرى مثل “عام العودة” في غانا.
التحويلات المالية ودورها في تعزيز الاقتصاد المصري: تعد التحويلات المالية أحد أبرز مصادر التمويل التي تدعم الاقتصاد المصري. مصر تعتبر من أكبر الدول المتلقية للتحويلات المالية عالميا، حيث يقدر عدد المصريين المقيمين في الخارج بأكثر من 3.6 مليون نسمة. تتواجد أعداد كبيرة منهم في دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والأردن وإيطاليا والولايات المتحدة. ومن خلال اعتماد مصر الكبير على تحويلات المغتربين، أصبحت هذه التحويلات المصدر الرئيسي للتمويل الخارجي، متجاوزة المساعدات الخارجية ودفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
تحولات إيجابية في تدفقات التحويلات المالية: وفقا للبنك المركزي المصري، بلغ إجمالي تدفقات التحويلات المالية في عام 2024 نحو 29.4 مليار دولار أمريكي، مسجلا نموا بنسبة 51.3% مقارنة بالعام السابق. هذه الزيادة تعكس تحسنا كبيرا في الاقتصاد المصري، خصوصا مع زيادة الثقة في النظام المالي بعد الإصلاحات الأخيرة، مثل تحرير سعر صرف الجنيه المصري وتوحيد سعر الصرف.
التحديات وسبل معالجتها: قبل هذه الزيادة، واجهت مصر تحديات متعددة في تدفقات التحويلات المالية، بسبب القيود المفروضة على سعر الصرف، مما دفع العديد من المصريين إلى الاعتماد على قنوات غير رسمية لإرسال الأموال. إضافة إلى ذلك، كانت هناك تحديات تتعلق بالوصول المحدود إلى الحسابات المصرفية وضعف البنية التحتية الرقمية. كما أن تكلفة التحويلات إلى مصر كانت أعلى بكثير مقارنة بالدول المتقدمة.
لمعالجة هذه التحديات، نفذ البنك المركزي المصري عددا من المبادرات الإصلاحية، أبرزها تحرير سعر الصرف وتوحيده، مما عزز الثقة في النظام المالي وأعاد توجيه التحويلات إلى القنوات المصرفية الرسمية. كما طرح البنك منتجات ادخارية للمغتربين مثل برنامج “معاشات الغد”، الذي يشجع المغتربين على الادخار طويل الأمد.
رقمنة التحويلات المالية وتعزيز الشمول المالي: ركز البنك المركزي المصري أيضا على رقمنة التحويلات المالية، وهو ما جعل عملية إرسال واستلام الأموال أكثر سهولة وشفافية. وبدعم من البنك الدولي، أطلق برنامج تجريبي ركز على رقمنة التحويلات المالية، مع تسليط الضوء على تمكين النساء في المناطق الريفية. وقد أسهمت هذه المبادرة في زيادة ملحوظة في تدفقات التحويلات، حيث ارتفع عدد وقيمة التحويلات المرسلة من النساء بنسبة 13%، مع فتح نحو 250 ألف حساب مصرفي جديد.
تأثير التحويلات المالية على الفقر والتنمية الاقتصادية: بحسب التقرير، من المتوقع أن تسهم زيادة التحويلات المالية بنسبة 50% من عام 2026 إلى عام 2035 في رفع حوالي 2.9 مليون مصري فوق خط الفقر المدقع. كما أن هذه الزيادة ستقلل من عدم المساواة بشكل كبير، مما يعكس أهمية التحويلات المالية في تحقيق التنمية الاقتصادية وتحسين ظروف المعيشة.
تستخدم جزء كبير من هذه التحويلات للاستهلاك المنزلي اليومي، ما يساعد في تحسين استقرار الأسر. وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أن 75% من هذه التحويلات تستخدم في الضروريات مثل الغذاء والنفقات الطبية وتكاليف السكن والتعليم.
سندات المغتربين: فرصة لتوسيع نطاق التمويل: يستعرض التقرير أيضا فكرة سندات المغتربين كأداة لتعزيز التمويل التنموي. تجارب دول مثل إسرائيل والهند في إصدار سندات مغتربين قد حققت نجاحا كبيرا، حيث جمعت إسرائيل 46 مليار دولار أمريكي منذ عام 1951، بينما جمعت الهند أكثر من 11 مليار دولار أمريكي. ومع ذلك، لم تحقق مصر نفس النجاح في الماضي عندما أصدرت سندات لدعم مشروع توسعة قناة السويس في عام 2014.
التوصيات للمستقبل: وفقا للتقرير، لتحقيق النجاح في جذب المزيد من الأموال من المغتربين، ينبغي على مصر التركيز على خلق بيئة مواتية للاستثمار. ويشمل ذلك تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال الحكومية. كما يجب على الحكومة تشجيع المغتربين على المشاركة في المبادرات التنموية، مثل المبادرات التي نفذتها غانا من خلال “عام العودة”، مما يعزز الروابط مع مجتمع الشتات ويشجعهم على المشاركة في تطوير بلادهم.
ويمثل ارتفاع تدفقات التحويلات المالية إلى مصر فرصة حيوية لدعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة. ولتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرصة، يجب على مصر العمل على توجيه هذه الأموال نحو القطاعات الإنتاجية والمشاريع الاقتصادية التي تساهم في بناء الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل.