استراتيجية مدام عفاف! كيف ستواجه مصر مقترح ترامب لتهجير سكان غزة؟
كشفت تقرير جريدة “وورلد كرانش “عن توجه مصري جديد في التعامل مع الضغوط الدولية، خاصة المتوقعة من إدارة ترامب القادمة، أطلق عليه خبراء العلاقات الدولية “استراتيجية مدام عفاف”، وهو الاستارتجية التي تتبعها القاهرة في التاعامل مع مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير الفلسطيين من غزة.
استراتيجية “مدام عفاف” في مواجهة مقترح ترامب لتهجير سكان غزة
في الوقت الذي بدأت فيه ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية، طرحت أفكار مثيرة للجدل حول منطقة الشرق الأوسط، كان أبرزها خطة تهجير سكان غزة إلى الدول المجاورة. وبينما لاقت هذه الخطة رفضا واسعا في أوساط العالم العربي والدولي، باستثناء اليمين الإسرائيلي المتطرف، كانت مصر واحدة من الدول التي اختبرت جدوى استراتيجياتها الدبلوماسية في التعامل مع مثل هذه الضغوط. ولعل أكثر الاستراتيجيات المميزة في هذا السياق هي ما يعرف في الأوساط السياسية بـ”استراتيجية مدام عفاف”.
خلفية “مدام عفاف” في المجتمع المصري: يرتبط مصطلح “مدام عفاف” في الثقافة الشعبية المصرية بصورة الموظفة الحكومية التي تتسم بالصرامة في الالتزام بالقوانين والأنظمة البيروقراطية، وغالبا ما يتسبب ذلك في تعقيد الأمور وتأخير الإجراءات بشكل غير مباشر. فمدام عفاف ليست فقط رمزا للبروقراطية، بل تجسد أيضا نوعا من المقاومة السلبية التي تعمل على تأخير المبادرات غير المرغوب فيها دون التصعيد أو المواجهة المباشرة.
استراتيجية المماطلة الإيجابية: من خلال هذه الاستراتيجية، تستخدم مصر البيروقراطية كأداة دبلوماسية فعالة. تظهر القاهرة التزاما ظاهريا بالمقترحات التي تفرض عليها، بينما تأخذ الوقت الكافي لتخريب أي محاولة لتنفيذها بشكل فعلي. في حالة مقترح ترامب بتهجير سكان غزة، بدلا من الرد المباشر عليه أو المواجهة مع واشنطن، اعتمدت مصر على المماطلة والتعقيد الإداري والدبلوماسي، مما أدى إلى إبطاء تقدم الخطة حتى تفقد زخمها مع مرور الوقت.
النجاح في تأخير المبادرات: هذه الاستراتيجية البيروقراطية ليست جديدة على السياسة المصرية. فقد استخدمتها القاهرة سابقا في العديد من القضايا، مثل عرقلة إنشاء حلف الناتو العربي أو تحريك المشاريع المتعلقة بجزيرتي تيران وصنافير. في كل من هذه الحالات، كان الموقف المصري يعتمد على الاستمرار في طرح أسئلة فنية معقدة تعطل تنفيذ أي مبادرة، حتى تتلاشى دون الحاجة إلى اتخاذ مواقف حاسمة.
استراتيجية مدام عفاف في السياسة الخارجية: تعتبر “مدام عفاف” بمثابة آلية لإبطاء أي تحرك دولي غير مرغوب فيه. فالقاهرة في معظم الأحيان تفضل التعامل مع القضايا الحساسة من خلال تكتيك الجمود البيروقراطي، مما يمكنها من إبقاء الأمور في حالة من الركود دون التصعيد. فعلى سبيل المثال، في حالة اتفاقية تيران وصنافير بين مصر والسعودية، استخدمت الحكومة المصرية إجراءات بيروقراطية معقدة لتأخير تنفيذ الاتفاق، مما جعل المعارضة تتلاشى بمرور الوقت.
تحليل مقترح ترامب: عندما عاد مقترح ترامب لتهجير سكان غزة إلى الظهور في أكتوبر 2024، اختارت مصر مرة أخرى أن تتبع نهج “مدام عفاف”. بدلا من الرد العاطفي أو التصعيد، أرسلت مصر رسائل عبر القنوات العسكرية والدبلوماسية المغلقة توضح رفضها لهذا المقترح. إلا أن الرفض المصري جاء بشكل غير مباشر، حيث عمدت الحكومة إلى إغراق الفكرة في تعقيدات إدارية طويلة، ما يجعل من الصعب تحريك هذا المقترح إلى الأمام.
الصبر الاستراتيجي والعقيدة الدفاعية: وفي الوقت الذي تسير فيه مصر في هذا الاتجاه الدبلوماسي الحذر، حافظت على عقيدتها العسكرية الدفاعية. فهي لا تسعى إلى الدخول في صراعات خارجية، بل تعمل على تعزيز قدراتها الدفاعية الجوية والبحرية والصاروخية. بينما يتمسك الدبلوماسيون المصريون بالصبر الاستراتيجي، يواصلون استخدام البيروقراطية كأداة للحد من الضغوط الخارجية، وترك المبادرات غير المرغوب فيها تتراجع تدريجيا من تلقاء نفسها.
التوجه المصري طويل الأمد: مصر تدرك تماما أن السياسات الأمريكية قد تتغير مع تغير الإدارات، وأن تركيز ترامب في ولايته الثانية قد يتحول إلى قضايا أخرى مثل الحرب في أوكرانيا أو الاستراتيجيات ضد الصين وروسيا. لذلك، تختار مصر أن تتحلى بالصبر، حيث تتبع سياسة ثابتة تركز على المدى البعيد، متأملة أن تأتي التغييرات في واشنطن وتل أبيب بما يتيح لها فرصة أفضل للدفع بمصالحها.