تحولات اقتصادية في السعودية وتوقعات سوق العمل
تواجه المملكة العربية السعودية تحولات اقتصادية ملحوظة في ظل استراتيجياتها الحالية لضبط الإنفاق وتنفيذ مشاريع رؤية 2030. وتوقع الخبراء أن يشهد نمو التوظيف في المملكة تراجعا ملحوظا في السنوات القادمة، ليصل إلى نصف مستوياته السابقة بحلول عام 2026، نتيجة لتقليص الإنفاق من قبل صندوق الاستثمارات العامة وتحديات اقتصادية جديدة.
الانخفاض المتوقع في نمو الوظائف
بحسب تقرير صادر عن شركة الاستشارات “جيه إل إل الشرق الأوسط”، يتوقع الخبراء أن يتباطأ نمو التوظيف في السعودية بشكل كبير في السنوات القادمة، بعد أن شهد أعلى مستوى له في عام 2022، حيث بلغ نحو 10%. من المتوقع أن ينخفض النمو إلى 3% بحلول عام 2026، في مؤشر على تباطؤ النشاط الاقتصادي في المملكة.
تأثير تقليص الإنفاق من قبل صندوق الاستثمارات العامة
صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي تبلغ قيمته 925 مليار دولار، أصدر توجيهاته لتقليص الإنفاق في أكثر من 100 شركة تابعة له. وقد أسفر هذا القرار عن تسريح العديد من العمال، وتجميد عمليات التوظيف، وتأجيل تنفيذ بعض المشاريع. ورغم أن العدد الإجمالي للوظائف في السعودية لا يزال في تزايد، إلا أن النمو أصبح أكثر بطئا نتيجة لهذه الإجراءات المالية الجديدة.
تأثير التغيرات على سوق العمل
قال شيام فيسافاديا، مؤسس شركة “WorkPanda Recruitment” في دبي، إن المشاريع العملاقة التي تعمل على تنفيذها المملكة تواجه تحديات بسبب غياب التخطيط طويل الأجل واستراتيجيات واضحة. وأضاف فيسافاديا أن بعض المراحل المستقبلية للمشاريع تم تأجيلها أو تعديلها أو حتى لم تحصل على الموافقات الميزانية المطلوبة. وبسبب هذه التغيرات، بدأ العديد من العمال في البحث عن فرص عمل في مناطق أخرى بالمنطقة، حتى لو كانت هذه الفرص تعني تقليصا في الرواتب أو التحول إلى شركات أخرى تديرها صندوق الاستثمارات العامة.
الانتقال إلى بيئات عمل أكثر تنظيما
أكد فيسافاديا أن العديد من العمال في السعودية أصيبوا بخيبة أمل بسبب أسلوب العمل في المشاريع العملاقة التي تديرها المملكة. وقد بدأوا في البحث عن بيئات عمل أكثر تنظيما، داخل شركات كبيرة وأكثر شهرة، حتى إذا كان ذلك يعني التضحية بالراتب والمزايا.
التحديات الاقتصادية الحالية
أظهرت البيانات الرسمية أن نحو مليوني وافد قد انضموا إلى سوق العمل في السعودية خلال العامين الماضيين، وهو ما يعكس النمو المستمر في العمالة الوافدة. إلا أن المملكة تواجه تحديات اقتصادية جديدة، حيث تعاني من عجز متزايد في الميزانية بسبب انخفاض حجم وقيمة صادرات النفط. وفي هذا السياق، قال إيان جوليانوتي، المدير التنفيذي لشركة “ناديا جلوبال” للتوظيف الإقليمي، إن حالة عدم اليقين بشأن أسعار النفط الحالية ستؤثر سلبا على اقتصاد المملكة على المدى الطويل.
تصحيح اقتصادي بعد فترة من النمو غير المستدام
تتفق بعض الآراء في قطاع الأعمال على أن التباطؤ الحالي في نمو الوظائف يعكس تصحيحا اقتصاديا بعد فترة من النمو غير المستدام. وقال ديفيد كليفتون، المدير الإقليمي لشركة “AtkinsRéalis” الهندسية، إنه من المتوقع أن يشهد قطاع التوظيف في المملكة بعض الانكماش، مما سيسهم في تخفيف التضخم في الأجور. وأضاف أن سوق البناء قد شهد تضاعفا في حجمه، ولكن ليس دائما مع الحلول المثلى للمشروعات، وهو ما يعد إيجابيا من منظور إتمام الأعمال.
توقعات بتخفيض الرواتب
من المتوقع أن تشهد رواتب العاملين في السوق السعودي انخفاضا يتراوح بين 5% إلى 15% نتيجة لإعادة ضبط السوق، وهو ما يعكس الضغوط المالية المتزايدة في المملكة. وأشار كليفتون إلى أن بعض هذه الضغوط تعود إلى زيادة عدد الأشخاص الذين وصلوا إلى المنطقة “على سبيل المضاربة”، حيث وصل العديد منهم دون وظائف مؤكدة، خاصة في الإدارة المتوسطة.
السعودية تخطط لصرف مبالغ نقدية لخفض وظائف القطاع العام
تبحث المملكة العربية السعودية أيضا عن طرق لخفض وظائف القطاع العام، من خلال صرف مبالغ نقدية للمستفيدين في إطار تقليص عدد الوظائف في القطاع الحكومي.
التوقعات المستقبلية
قال جاستن ماكجواير، مؤسس شركة “ريموت ريسورس” للتوظيف في دبي، إن التباطؤ الحالي في سوق العمل السعودي لا يمثل انخفاضا كبيرا، بل هو أقرب إلى “توقف مؤقت وإعادة ضبط”. وأوضح أن المملكة لا تزال تحتفظ بطموحات كبيرة، وأنها تعد من أكثر الأماكن إثارة للأعمال في العالم في الوقت الحالي. في رأيه، هذه الفترة الحالية تمثل تصحيحا مرحليا أكثر من كونها انهيارا اقتصاديا.