انقسام غير مسبوق بين الدول العربية في تحديد موعد عيد الفطر المبارك
شهد العالم الإسلامي عام 2025 حالة استثنائية من التباين في تحديد موعد عيد الفطر، حيث انقسمت الدول العربية بين مُعلنٍ لأول أيام العيد يوم الأحد 30 مارس، ومُتممٍ لشهر رمضان حتى الاثنين 31 مارس. يعكس هذا الانقسام التاريخي تصادمًا بين المنهجية التقليدية المعتمدة على الرؤية البصرية للهلال والحسابات الفلكية الحديثة، وسط تحديات جوية غير مسبوقة وتناقضات في التفسيرات الفقهية.
خريطة الانقسام: معسكران رئيسيان
المعسكر الأول: دول إعلان الأحد عيداً
قادت المملكة العربية السعودية تحالفاً من الدول أعلنت ثبوت رؤية هلال شوال مساء السبت 29 مارس، وشملت الإمارات وقطر والكويت والبحرين ولبنان واليمن، بالإضافة إلى حكومة إقليم كردستان العراق. أكد الديوان الملكي السعودي في بيان رسمي أن “المحكمة العليا قررت ثبوت الرؤية شرعاً”، معتبرةً أن هذا الإعلان ينسحب على الدول التي تتبع نفس المنهجية.
المعسكر الثاني: دول إكمال الثلاثين يوماً
من جهة أخرى، أصرت مصر وسوريا والأردن والعراق وسلطنة عمان وليبيا على إكمال شهر رمضان 30 يوماً، معلنة الاثنين 31 مارس أول أيام العيد. أوضح الدكتور نظير عياد، مفتي مصر، أن “تعذرت الرؤية الشرعية رغم استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية”، في إشارة إلى التحديات الجوية التي حجبت الرؤية[ .
جذور الخلاف: بين النص الديني والعلم الحديث
صراع المنهجيات التاريخي
يعود الاختلاف إلى الإشكالية القديمة بين منهجين: الأول يستند إلى الحديث النبوي “صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ”، بينما يعتمد الثاني على الحسابات الفلكية الدقيقة. أظهرت البيانات أن دول الخليج اعتمدت على تقارير الراصدين الميدانيين، في حين لجأت دول مثل ماليزيا وتركيا إلى الحسابات الرياضية التي سبقت الرؤية الفعلية بيومين.
إشكالية وحدة المطالع وتباين الآراء
أثارت مسألة “اتحاد المطالع” جدلاً فقهياً واسعاً، حيث يرى فريق من العلماء أن رؤية الهلال في دولة واحدة تلزم جميع المسلمين، بينما يؤكد آخرون على ضرورة الاعتراف باختلاف المناطق الزمنية. تجلى هذا الخلاف بوضوح في العراق، حيث أعلن إقليم كردستان العيد يوم الأحد مخالفاً قرار الحكومة المركزية في بغداد.
عوامل تعميق الأزمة: من الغيوم إلى التكنولوجيا
التحديات الجوية غير المسبوقة
أكد الدكتور ياسر عبد الهادي من المعهد القومي للبحوث الفلكية بمصر أن “الظروف الجوية الاستثنائية وحدوث كسوف شمسي جزئي يوم الرصد أديا إلى تعطيل عملية الرؤية”. أظهرت صور الأقمار الصناعية تشكل سحب سميكة فوق مناطق واسعة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما حال دون الرصد البصري حتى باستخدام التلسكوبات
الثورة التكنولوجية وتأثيرها على الفتاوى
أدخلت تقنيات مثل كاميرات CCD والتصوير الفلكي بعداً جديداً في الجدل، حيث أشار مركز الفلك الدولي إلى أن “رؤية الهلال يوم السبت كانت مستحيلة تقنياً حتى مع استخدام أدق الأجهزة”. هذه التطورات دفعت بعض الهيئات الدينية لإعادة النظر في معاييرها، بينما تمسك آخرون بالمنهج التقليدي.
تداعيات الانقسام: من المجتمع إلى الاقتصاد
التأثيرات الاجتماعية والروحية
خلق الانقسام ارتباكاً لدى المسلمين، خاصة في الدول ذات التركيبة المتنوعة. في لبنان، اختلفت المرجعيتان السنية والشيعية في التوقيت، مما أدى إلى تناقض في البرامج التلفزيونية والاحتفالات. كما أثرت هذه الازدواجية على صلاة العيد التي أقيمت في بعض المدن في يومين مختلفين.
الانعكاسات الاقتصادية والسياحية
تسببت الاختلافات في إرباك حركة النقل الجوي بين الدول العربية، حيث اضطرت بعض الخطوط الجوية لتعديل جداول رحلاتها. تأثر قطاع السياحة الدينية في السعودية ومصر بسبب عدم تزامن إجازات العيد، وفقاً لتقارير اقتصادية.
مستقبل التوحيد: تحديات واقتراحات
مبادرات فاشلة وتجارب سابقة
على الرغم من الدعوات المتكررة من منظمات إسلامية دولية، ظلت الخلافات الفقهية والسياسية عائقاً أمام التوحيد. فشل مشروع التقويم الهجري الموحد الذي طرح عام 2018 في كسر الحواجز بين المذاهب المختلفة.
سيناريوهات مستقبلية محتملة
يطرح الخبراء ثلاثة حلول: تبني معايير فلكية موحدة، إنشاء هيئة إسلامية عالمية للرصد، أو احترام التعددية مع تنسيق الجهود الإعلامية. لكن جميعها يصطدم بتشبث بعض التيارات الدينية بتفسيرات حرفية للنصو.