هيومن رايتس ووتش تدعو لإنهاء الإفلات من العقاب في السودان بعد 20 عاماً على إحالة دارفور للجنائية الدولية
دعت منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم الإثنين (31 مارس 2025) إلى ضرورة وضع حد للإفلات من العقاب في السودان بمناسبة الذكرى العشرين لإحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأكدت المنظمة في تقريرها أن الفظائع المتواصلة في السودان سببها استمرار غياب المساءلة وفجوة العدالة، مما يتطلب استجابات شاملة وتوسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل كافة الأراضي السودانية بدلاً من اقتصاره على إقليم دارفور فقط، خاصة في ظل الأعمال العدائية المستمرة منذ أبريل 2023 التي أسفرت عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
عقدان على الإحالة وفشل تحقيق العدالة
مرت اليوم عشرون عاماً على اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار رقم 1593 في 31 مارس 2005، الذي منح المحكمة الجنائية الدولية تفويضاً للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب والإبادة الجماعية المرتكبة في إقليم دارفور منذ يوليو/تموز 2002. وعلى الرغم من فتح المحكمة لعدة قضايا تتعلق بالجرائم المرتكبة في المنطقة بين عامي 2003 و2013، إلا أن هيومن رايتس ووتش أشارت إلى أن ولاية المحكمة ما زالت مقتصرة على دارفور فقط، في وقت تشهد فيه مناطق مختلفة من السودان انتهاكات جسيمة منذ اندلاع الأعمال العدائية في أبريل/نيسان 2023.
وأكدت المنظمة أن “بعد عقدين على إحالة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجرائم في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما زال الإفلات من العقاب على الجرائم في السودان يشجع منتهكي الحقوق على ارتكاب المزيد من الجرائم الخطيرة خلال الأعمال العدائية الحالية دون خوف من الملاحقة القضائية”. وتشير المنظمة إلى أن افتقار آليات العدالة والمساءلة المستقلة للتحقيق في الجرائم المرتكبة خارج دارفور أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني في البلاد.
الفشل المستمر في تسليم المطلوبين
على الرغم من مرور عشرين عاماً على الإحالة، لم يتم تسليم الرئيس السوداني السابق عمر البشير وقائدين سودانيين آخرين مطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية. وقد دعت هيومن رايتس ووتش السلطات السودانية إلى تسليم هؤلاء المطلوبين فوراً للعدالة الدولية، مشيرة إلى أن عدم تعاون السلطات السودانية المتعاقبة مع المحكمة الجنائية الدولية ساهم في تكريس ثقافة الإفلات من العقاب.
وأشارت المنظمة إلى أنه بعد الإطاحة بالبشير في أبريل/نيسان 2019، كانت هناك فرصة للحكومة الانتقالية لضمان المساءلة عن الانتهاكات السابقة بموجب اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين. لكن تلك الحكومة لم تعط الأولوية للمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة، واتخذت خطوات محدودة فقط، ثم توقفت الإصلاحات القانونية الناشئة تماماً بعد استيلاء الجيش على السلطة في 2021.
الإفلات من العقاب يؤجج انتهاكات حقوق الإنسان
كشف تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في فبراير 2025 أن ترسخ حالة الإفلات من العقاب أدى إلى تأجيج الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة لحقوق الإنسان في السودان، خاصة مع اتساع رقعة القتال إلى أجزاء أخرى من البلاد وانخراط جهات مسلحة إضافية في النزاع. وقد دعا التقرير إلى بذل جهد دولي أوسع نحو المساءلة ووقف تدفق الأسلحة.
ووثق التقرير هجمات متعمدة ومستمرة على المناطق المكتظة بالسكان ومخيمات النازحين والمرافق الصحية والأسواق والمدارس، فضلاً عن تنفيذ إعدامات بإجراءات موجزة ذات دوافع عرقية. كما وثق نمطاً متواصلاً للهجمات على المرافق الصحية، حيث سجل مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تسع هجمات استهدفت المرافق الصحية في مدينة الفاشر خلال الفترة من 9 أيار/مايو إلى 23 حزيران/يونيو 2024، نُسبت معظمها إلى قوات الدعم السريع.
العنف الجنسي المرتبط بالنزاع
سلط تقرير المفوضية السامية الضوء على توثيق حوالي 120 حادث عنف جنسي مرتبط بالنزاع من أبريل 2023 حتى نوفمبر 2024، شملت ما لا يقل عن 203 ضحايا، من بينهم 162 امرأة و36 فتاة. ويبدو أن تقارير العنف الجنسي تتبع نمطاً جغرافياً مع انتشار القتال في مختلف أرجاء البلاد وتعدد الجهات الفاعلة المتورطة، مما يشير إلى استخدام العنف الجنسي بشكل ممنهج خلال النزاع.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك: “إن الهجمات المستمرة والمتعمدة على المدنيين والأعيان المدنية، فضلاً عن عمليات الإعدام بإجراءات موجزة والعنف الجنسي وغيرها من الانتهاكات والتجاوزات، تؤكد الفشل التام لطرفي النزاع في احترام قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان”. وأضاف أن “بعض هذه الأفعال قد ترقى إلى جرائم حرب، ويجب التحقيق فيها بشكل فوري ومستقل، بهدف تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة”.
الحاجة إلى استجابة شاملة في مجال العدالة
صرحت ليز إيفنسون، مديرة العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش: “حاصرت الأطراف المتحاربة الشعب السوداني مرة أخرى في دوامة عنف يغذيها الإفلات من العقاب، مرتكبة فظائع مروعة ومسببةً أسوأ أزمة إنسانية في العالم. ينبغي للحكومات الالتزام علنا باستكشاف جميع السبل لسد فجوة المساءلة في السودان، لكيلا يضطر ضحايا جرائم اليوم إلى انتظار العدالة عقدين آخرين”.
ودعت المنظمة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي إلى دعم عمل المحكمة الجنائية الدولية، مع دعم مسارات العدالة الشاملة التي يقودها الشعب السوداني لمعالجة الجرائم المرتكبة منذ أبريل 2023. وتشمل التوصيات المقدمة:
- توسيع نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل كامل الأراضي السودانية، بدلاً من اقتصاره على دارفور.
- العمل على إنشاء آلية عدالة دولية خاصة بالسودان.
- تشجيع دعاوى الولاية القضائية العالمية للجرائم المرتكبة في السودان.
- ضمان حصول المحكمة الجنائية الدولية على الموارد اللازمة للقيام بعملها.
- حث مجلس الأمن على دعم ولاية المحكمة في دارفور، بما في ذلك إنفاذ قرارات المحكمة المتعلقة بعدم التعاون في الاعتقالات.
الحاجة لمراقبة صارمة لحقوق الإنسان
قال محمد عثمان، الباحث بقسم أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش، إن استمرار الانتهاكات والإفلات من العقاب في السودان يؤكد الحاجة إلى مراقبة صارمة لحقوق الإنسان. ودعت المنظمة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى ضمان تمتع مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الخرطوم بالوسائل والدعم السياسي اللازم لدعم الإصلاحات الرئيسية.
وأضافت المنظمة: “الآن أكثر من أي وقت مضى، يجب الحفاظ على الدعم والمراقبة الدوليَّين لضمان عدم التخلي عن أولئك الذين كافحوا من أجل مستقبل أفضل وأكثر احتراما للحقوق”.