صحيفة تليجراف: إيران تسحب قواتها العسكرية من اليمن وتتخلى عن دعم الحوثيين
كشفت صحيفة تليجراف البريطانية عن تطور دراماتيكي في المشهد اليمني، حيث أصدرت إيران أوامر لعناصرها العسكرية بمغادرة اليمن، في خطوة تمثل تخلياً واضحاً عن دعم ميليشيا الحوثي وسط تصاعد الضربات الجوية الأمريكية. وفقاً للمصادر، تأتي هذه الخطوة ضمن إعادة تقييم شاملة للاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، مع تركيز طهران على تجنب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة والتعامل مع التهديدات المباشرة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تفاصيل القرار الإيراني المفاجئ
نقلت صحيفة تليجراف البريطانية عن مسؤول إيراني كبير، لم يكشف عن هويته، أن طهران أمرت جميع عسكرييها بمغادرة اليمن، متخلية بذلك عن حلفائها الحوثيين، في الوقت الذي تُصعّد فيه الولايات المتحدة حملة الغارات الجوية ضد الجماعة المتمردة. وصرح المسؤول الإيراني أن هذه الخطوة تهدف بشكل أساسي إلى “تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال مقتل جندي إيراني”.
وأضاف المصدر أن إيران تُقلّص أيضًا استراتيجيتها القائمة على دعم شبكة من الوكلاء الإقليميين، مُركزةً بدلًا من ذلك على التهديدات المباشرة من الولايات المتحدة. وفي تصريح يعكس التحول الكبير في السياسة الإيرانية، أوضح المسؤول أن “الشاغل الرئيسي لطهران هو ترامب وكيفية التعامل معه”، مضيفاً أن “المناقشات حوله تهيمن على كل اجتماع، ولا تُناقش أيٌّ من المجموعات الإقليمية التي دعمناها سابقًا”.
مؤشرات انهيار الحوثيين وفق التقديرات الإيرانية
في تطور لافت، أشار المصدر الإيراني إلى أن التقديرات في طهران تؤكد أن “الحوثيين لن يتمكنوا من الصمود، وهم يعيشون شهورهم أو حتى أيامهم الأخيرة”. وأضاف أنه “لا جدوى من الإبقاء عليهم ضمن قائمة دعمنا”، موضحاً أن الحوثيين كانوا جزءًا من “سلسلة” تشمل أمن حزب الله ونظام بشار الأسد، وأن الإبقاء على جزء واحد فقط من هذه السلسلة لم يعد منطقياً.
وتكشف هذه التصريحات عن تحول استراتيجي كبير في الموقف الإيراني، الذي لطالما اعتبر الميليشيات الحوثية أحد الأذرع الإقليمية المهمة لتوسيع نفوذه في المنطقة والضغط على خصومه، خاصة في ظل الصراع المستمر في اليمن منذ سنوات.
تصاعد الضغوط الأمريكية على الحوثيين وإيران
يأتي القرار الإيراني في ظل تصاعد غير مسبوق للعمليات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين، حيث شنت الولايات المتحدة هجمات شبه يومية على أهداف للجماعة منذ تسريب رسائل دردشة جماعية من كبار مسؤولي ترامب، الذين ناقشوا الضربات، إلى وسائل الإعلام الشهر الماضي. وقد وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الضربات بأنها “ناجحة بشكل لا يُصدق”، مؤكداً أنها أدت إلى تدمير أهداف عسكرية مهمة وقتل قادة في الجماعة.
وفي إطار التصعيد العسكري، أعلن البنتاغون عن إرسال المزيد من الطائرات الحربية إلى المنطقة، بينما كشف الجناح المقاتل 124 الأمريكي أواخر الشهر الماضي عن إرساله طائرات هجومية برية متعددة من طراز A-10 Thunderbolt II و300 طيار إلى الشرق الأوسط.
تعزيزات عسكرية أمريكية وضغوط متصاعدة
وفي خطوة تصعيدية إضافية، قام ترامب الأسبوع الماضي بنقل قاذفات الشبح “B-2” إلى القاعدة العسكرية الأمريكية-البريطانية في “دييغو غارسيا” بجزر شاغوس، في إجراء يهدف إلى تعزيز قدرة الولايات المتحدة على الرد على أي تهديدات إيرانية. وتتزامن هذه التعزيزات العسكرية مع تحذيرات وجهها ترامب بشأن ضرورة توقف إيران عن دعم الحوثيين والجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة.
في المقابل، أعلن الحوثيون استهدافهم لسفن حربية أمريكية في البحر الأحمر، بما في ذلك حاملة الطائرات “يو إس إس هاري إس ترومان”، التي تقود الجهود لضرب الجماعة المتمردة. كما أعلنت ميليشيا الحوثي عن إسقاط طائرة أمريكية من نوع (MQ-9) في منطقة الحديدة، غير أن المصادر الرسمية الأمريكية لم تؤكد صحة هذه المزاعم.
إيران بين التخلي عن “محور المقاومة” ومخاوف المواجهة مع أمريكا
يشير محللون إلى أن قرار إيران بسحب قواتها من اليمن يعكس تراجعاً ملحوظاً للنفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة بعد تغير الموازين الإقليمية والضغوط الدولية المتزايدة. وتأتي هذه الخطوة في سياق ما وصفه المسؤول الإيراني بإعادة تقييم طهران لاستراتيجيتها الإقليمية، مع التركيز على “التهديدات المباشرة من جانب الولايات المتحدة”.
وفي مؤشر على تغيير الخطاب الإيراني، صرح الرئيس الايراني مسعود بزشكيان: “لا مجال للسلاح النووي في عقيدتنا الدفاعية وجاهزون للحوار والتعاون البناء لإزالة التوترات على أساس الاحترام المتبادل”. وتتناقض هذه التصريحات المهادنة مع التصريحات السابقة للمتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، إسماعيل بقائي، الذي حذر من “عواقب أي عمل عدواني” ضد إيران، مؤكداً أن “التهديد العلني بقصف إيران من قبل رئيس إحدى الدول يُعد مواجهة واضحة لجوهر السلام والأمن الدوليين”.
تداعيات القرار على الوضع في اليمن
من المتوقع أن يؤدي انسحاب الدعم الإيراني إلى إضعاف قدرات الحوثيين العسكرية والسياسية، خاصة في ظل استمرار الضربات الجوية الأمريكية المكثفة. وتشير التقديرات إلى أن الوضع قد يتجه نحو انهيار النفوذ الحوثي في بعض المناطق، مما قد يعيد تشكيل خريطة الصراع في اليمن ويفتح الباب أمام احتمالات جديدة للتسوية السياسية.
في الوقت نفسه، يفرض الحوثيون سيطرتهم الكاملة على العاصمة صنعاء، حيث يديرون شؤون الدولة وفقاً لأجندتهم الخاصة، ويسيطرون على البنك المركزي ويطبعون العملة المحلية، كما يفرضون ضرائب باهظة على المواطنين، بينما يحولون المساعدات الإنسانية لمجهودهم الحربي. وتمتد أنشطتهم غير المشروعة إلى تهريب المخدرات والأسلحة لجماعات متطرفة في أفريقيا، بالإضافة إلى تعطيلهم للملاحة الدولية في البحر الأحمر.
مستقبل العلاقات الأمريكية-الإيرانية في ظل التوترات الجديدة
يرى خبراء أن قرار إيران بسحب قواتها من اليمن قد يكون مقدمة لإعادة ترتيب العلاقات مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل العودة المحتملة للمفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني. وقد هدد ترامب سابقاً بفرض رسوم جمركية على إيران وقصفها إذا لم تتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، مما وضع طهران تحت ضغط متزايد للاستجابة للمطالب الدولية.
في الوقت نفسه، تواجه إيران تحديات اقتصادية وسياسية متزايدة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، مما قد يدفعها إلى إعادة النظر في توجهاتها الإقليمية والدولية والبحث عن مخارج للأزمات المتلاحقة التي تواجهها.
وتبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى استعداد إيران للتخلي عن استراتيجية “المحور الإقليمي” بشكل كامل، وما إذا كانت خطوة سحب القوات من اليمن مجرد تكتيك مرحلي أم تحول استراتيجي حقيقي في السياسة الإيرانية تجاه المنطقة.