أثارت مشاركة دولتي قطر والإمارات في مناورات “إنيوخوس 2025” الجوية التي انطلقت في اليونان بحضور إسرائيلي تساؤلات عديدة حول دلالات هذه الخطوة ومدى تعبيرها عن تحول في العلاقات الإقليمية. هذه المناورات، التي تجمع قوى عسكرية من 11 دولة، تكتسب أهمية خاصة نظرا للظروف السياسية الراهنة في المنطقة، ولاسيما دور قطر كوسيط في النزاع المستمر بين إسرائيل وحماس، والتطبيع الرسمي بين الإمارات وإسرائيل منذ عام 2020.
تفاصيل المناورات العسكرية
انطلقت مناورة “إنيوخوس 2025” في 31 مارس/1 أبريل 2025 في قاعدة أندرافيدا الجوية غرب اليونان، وستستمر حتى 11/13 أبريل. تمثل هذه المناورة أكبر تدريب جوي متعدد الجنسيات في اليونان، وتضم مشاركة عدد قياسي من الحلفاء والشركاء الدوليين.
تشارك في المناورات 11 دولة إلى جانب اليونان، بينها: الولايات المتحدة، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، الهند، الجبل الأسود، بولندا، سلوفينيا، بالإضافة إلى قطر والإمارات وإسرائيل. وتتنوع الأسلحة المستخدمة في هذه المناورات، حيث تشارك:
قطر بمقاتلات F-15في إشارة إلى قدراتها الجوية المتطورة.
الإمارات بطائرات Mirage 2000-9 مما يعكس تحديثا مستمرا لأسطولها الجوي.
إسرائيل بطائرات G-550li
الولايات المتحدة بطائرات F-16 وKC-46 وKC-135 للتزود بالوقود
تهدف هذه المناورات إلى تنفيذ مجموعة واسعة من المهام الجوية، بما في ذلك العمليات الجوية الهجومية والدفاعية، والمهام الجوية الاستراتيجية، والدعم الجوي للعمليات البرية والبحرية، ومهام الاستطلاع، والبحث والإنقاذ القتالي.
المشاركة القطرية:
تكتسب مشاركة قطر في هذه المناورات أهمية خاصة، إذ تعد هذه المرة الأولى التي تشارك فيها الدوحة بشكل مباشر في تمرين عسكري يضم إسرائيل. وتأتي هذه المشاركة في وقت تلعب فيه قطر دور الوسيط الرئيسي بين إسرائيل وحركة حماس، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذه الخطوة على دورها الوساطي.

على الرغم من أن البلدين شاركا سابقا في تمرين “ريد فلاج” الأمريكي عام 2016، إلا أن التعاون العسكري بينهما كان محدودا بسبب التوترات المرتبطة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وخلافا للإمارات، لم توقع قطر اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، مما يجعل مشاركتها في المناورات خطوة غير مسبوقة.
بحسب منصة التحليل المفتوحة OSINTWarefare، فإن القوات الجوية القطرية والإسرائيلية تعمل الآن جنبا إلى جنب، وتشارك في المهام والإحاطات المشتركة، وهو ما يشير إلى درجة من التقارب العسكري.
ويرى بعض المراقبين أن هذه المشاركة قد تفسر كخطوة ضمنية نحو تعزيز التعاون مع إسرائيل، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية.
وفقا للعديد من الخبراء، فإنه من غير المحتمل أن تخطو قطر نحو التطبيع بمفردها، مشيرين إلى أن المملكة العربية السعودية وضعت إطارا لهذا المسار يعتمد على إنشاء دولة فلسطينية.
تشير بعض التحليلات إلى أن قطر تسعى للحفاظ على مكانتها كشريك استراتيجي مهم للولايات المتحدة، وأن مشاركتها في هذه المناورات تأتي في هذا السياق.
الموقف الإماراتي ودلالات مشاركتها
تختلف مشاركة الإمارات عن قطر، حيث توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين أبوظبي وتل أبيب منذ توقيع اتفاق التطبيع (اتفاقيات أبراهام) في 13 أغسطس 2020. وتعكس مشاركة الإمارات استمرار تطور العلاقات الدفاعية مع إسرائيل، والتي أصبحت أكثر وضوحا بعد توقيع الاتفاقيات.

أكدت وزارة الدفاع الإماراتية عبر حسابها الرسمي على إنستغرام مشاركة القوات الجوية والدفاع الجوي لدولة الإمارات في تمرين “إنيوخوس 2025″، مشيرة إلى أن التمرين يهدف إلى تعزيز الشراكات الاستراتيجية وتبادل الخبرات العسكرية.
الانتقادات والمواقف المعارضة
أثارت مشاركة قطر والإمارات في هذه المناورات موجة من الانتقادات في العالم العربي، خاصة في ظل استمرار الصراع في غزة. وقد عبر عدد من المحللين والناشطين عن استيائهم، معتبرين أن هذه المشاركة تتناقض مع المواقف المعلنة الداعمة للقضية الفلسطينية.
قال العديد من الباحثين في العلاقات الدولية إن “مشاركة أي دولة عربية في مناورات عسكرية جنبا إلى جنب مع الاحتلال، خصوصا في ظل الأوضاع الراهنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، هو أمر يثير التساؤلات”.

كما رأى عدد من المحللين السياسيين أن هذه المشاركة تتناقض مع دور قطر كوسيط، متسائلين عن الرسائل التي يمكن أن تصل لإسرائيل عبر هذه المشاركة.
ناتو الشرق الأوسط”: بين الطموح الأمريكي والواقع الإقليمي
فكرة إنشاء تحالف عسكري إقليمي على غرار حلف الناتو ليست جديدة. فقد طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحت مسمى “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” (MESA)، بهدف مواجهة إيران والجماعات المسلحة. أعاد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إحياء الفكرة في 2022، مؤكدا دعمه لتحالف يضم دولا “ذات تفكير مماثل”.

العوامل الدافعة نحو التحالف
التهديد الإيراني: يعد الخوف من البرنامج الصاروخي الإيراني وتدخلات طهران في دول المنطقة المحرك الرئيسي. ففي أبريل 2024، شاركت دول مثل السعودية والأردن في اعتراض هجوم إيراني على إسرائيل، مما أظهر إمكانية تعاون عربي-إسرائيلي فعلي.
الانسحاب الأمريكي النسبي: مع تحول الولايات المتحدة نحو مواجهة الصين، تسعى دول المنطقة لضمان أمنها عبر تحالفات ذاتية.
المصالح الاقتصادية: تعتمد دول الخليج على تصدير الطاقة، مما يجعل استقرار المنطقة أمرا حيويا لاقتصاداتها.

هل تمثل المناورات تحالفا عسكريا خليجيا-إسرائيليا؟
رغم دلالات المشاركة القطرية والإماراتية في المناورات، لا يمكن الجزم بوجود تحالف عسكري رسمي خليجي-إسرائيلي بعد. فالمشاركة في تدريبات متعددة الجنسيات لا تعني بالضرورة وجود تحالف مباشر، خاصة أن هذه المناورات تضم 11 دولة وليست مقتصرة على الدول الخليجية وإسرائيل.
ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن هذه المناورات قد تكون مؤشرا على تحول أوسع في العلاقات الإقليمية، وربما تمهد الطريق لمزيد من التعاون العسكري بين دول الخليج وإسرائيل، خاصة في ظل المخاوف المشتركة منالنفوذ الإيراني في المنطقة










