تحول استراتيجي: زيارة صدام حفتر إلى أنقرة تفتح صفحة جديدة في العلاقات التركية-الليبية
تمثل الزيارة الرسمية المفاجئة للفريق صدام خليفة حفتر، رئيس أركان القوات البرية بالقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، إلى أنقرة بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين تركيا والمنطقة الشرقية من ليبيا. هذه الزيارة التي تمت في الرابع من أبريل 2025، تحمل دلالات عميقة وتطرح تساؤلات حول تحول محتمل في السياسة التركية تجاه ليبيا، خاصة مع رمزية توقيتها الذي يصادف الذكرى السنوية لهجوم قوات حفتر على طرابلس عام 2019، والذي كانت تركيا طرفاً رئيسياً في إفشاله.
تفاصيل الزيارة الرسمية
وصل الفريق صدام خليفة حفتر، رئيس أركان القوات البرية بالقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، إلى العاصمة التركية أنقرة في زيارة رسمية جاءت بدعوة من وزارة الدفاع التركية. خلال الزيارة، استقبل وزير الدفاع التركي يشار غولر الفريق صدام حفتر، كما أجرى الجنرال سلجوق بيرقدار أوغلو، قائد القوات البرية التركية، استقبالاً رسمياً له في مقر القيادة بأنقرة.
وشهدت الزيارة مراسم استقبال رسمية رفيعة المستوى، حيث استعرض صدام حفتر حرس الشرف التركي المصطف في ساحة احتفالية في أنقرة، برفقة الجنرال سلجوق بيرقدار أوغلو. وتضمنت المباحثات الثنائية بين الجانبين مناقشة سبل تعزيز التعاون بين البلدين، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وأكد الجانبان خلال اللقاءات على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة بين ليبيا وتركيا. كما أجرى الفريق صدام حفتر اجتماعاً ثنائياً مع نظيره التركي الفريق أول سلجوق بيرقدار أوغلو لمناقشة سبل تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.
رمزية التوقيت والدلالات السياسية
تحمل زيارة صدام حفتر إلى أنقرة أهمية خاصة نظراً لتوقيتها اللافت، إذ تأتي في ذكرى مرور 6 سنوات على بدء هجوم قوات حفتر على العاصمة طرابلس في أبريل 2019، وهي المعركة التي شهدت تدخلاً تركياً حاسماً لدعم حكومة الوفاق آنذاك وصد قوات حفتر. هذا التوقيت يثير تساؤلات عميقة حول الأهداف الكامنة وراء الزيارة والرسائل التي تسعى الأطراف إلى توجيهها.
تُعد هذه الزيارة تطوراً لافتاً في العلاقات بين عائلة حفتر وتركيا، اللذين كانا على طرفي نقيض خلال فترة الصراع المسلح في ليبيا. فقد دعمت أنقرة بقوة حكومة الوفاق المعترف بها دولياً آنذاك، وقدمت لها دعماً عسكرياً ولوجستياً وتقنياً ساهم بشكل كبير في إفشال هجوم حفتر على طرابلس.
الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها صدام حفتر تركيا، حيث سبق أن حضر فعاليات معرض “ساها إكسبو 2024” الدولي للدفاع والفضاء بمدينة إسطنبول في أكتوبر العام الماضي، والتقى حينها أيضاً وزير الدفاع التركي يشار غولر.
خلفية العلاقات التركية مع شرق ليبيا
شهدت العلاقات بين تركيا وشرق ليبيا توتراً شديداً في السنوات الماضية، خاصة مع دعم أنقرة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس خلال الصراع مع قوات خليفة حفتر. وكان هذا التوتر جزءاً من صراع نفوذ إقليمي أوسع، حيث دعمت قوى إقليمية أخرى مثل مصر والإمارات وروسيا قوات حفتر في شرق ليبيا.
ومنذ توقف القتال في عام 2020، بدأت تركيا تتبنى سياسة أكثر براغماتية تجاه مختلف الأطراف الليبية. وفي يناير 2022، زار السفير التركي لدى طرابلس “كنان يلماز” شرق ليبيا والتقى المسؤولين الليبيين، وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، في خطوة كانت الأولى من نوعها لكسر حدة التوتر بين أنقرة ومنطقة شرق ليبيا.
دوافع تغير السياسة التركية تجاه شرق ليبيا
تعكس زيارة صدام حفتر إلى أنقرة تحولاً في السياسة التركية تجاه الأطراف المختلفة في ليبيا، ويمكن فهم هذا التحول من خلال عدة دوافع:
تعزيز سياسة التهدئة الإقليمية
تواصل تركيا التعويل بقوة على الأداة الدبلوماسية في تهدئة التوتر مع محيطها الإقليمي، وتخفيف آثار انخراطها في صراعات الإقليم، وبخاصة في المشهد الليبي. وتسعى أنقرة لفتح مساحات لخلق تفاهمات أو البحث عن طرق لتسوية الملفات العالقة، وتجسير هوة الخلافات مع معسكر شرق ليبيا.
الحفاظ على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية
أدركت تركيا أن انفتاح حلفائها على كافة القوى في الإقليم يتطلب منها إعادة حساباتها تجاه شرق ليبيا. كما تشعر أنقرة بالقلق من أن تسفر مسارات التسوية المحتملة في ليبيا عن صعود تيارات الشرق الليبي إلى صدارة المشهد، وهو ما قد يعيق مصالحها في ليبيا خلال المرحلة المقبلة إذا لم تبادر بتحسين علاقاتها مع هذه القوى.
الاستجابة للتحولات الإقليمية والدولية
شهدت الساحة الليبية تحولات كبيرة منذ توقف القتال في عام 2020 وتشكيل حكومة الدبيبة. ويبدو أن هذه التحولات قد انعكست على طبيعة العلاقات بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف الليبي.
أبعاد الزيارة ومستقبل العلاقات التركية-الليبية
البعد العسكري والأمني
يمثل اللقاء بين صدام حفتر والمسؤولين العسكريين الأتراك بداية لتعاون محتمل في المجال العسكري والأمني بين القوات المسلحة الليبية وتركيا. قد يشمل هذا التعاون مجالات التدريب والتسليح وتبادل الخبرات العسكرية، بما يعزز قدرات الطرفين ويخدم مصالحهما المشتركة.
البعد السياسي
تمثل زيارة صدام حفتر إشارة واضحة إلى بدء صفحة جديدة في العلاقات السياسية بين تركيا وشرق ليبيا. ويمكن أن تشكل هذه الزيارة خطوة نحو تطبيع العلاقات بين أنقرة ومنطقة شرق ليبيا، القريبة تاريخياً من روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة.
البعد الاقتصادي
يبقى الملف الاقتصادي واستكشاف فرص التعاون في مجالات الاستثمار والطاقة وإعادة الإعمار على رأس الملفات التي تهم أنقرة وتضعها نصب أعينها. ويمكن أن تفتح هذه الزيارة الباب أمام مزيد من التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين.
تداعيات الزيارة على المشهد الليبي
يمكن أن يكون لزيارة صدام حفتر إلى تركيا تداعيات مهمة على المشهد السياسي الليبي، أبرزها:
- المساهمة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المختلفة، وتهيئة الأجواء لحوار وطني شامل.
- دعم جهود إجراء انتخابات وطنية شاملة ومصالحة وطنية حقيقية.
- مناقشة آليات التنسيق لضمان الاستقرار ومنع عودة الصراع المسلح.
- تعزيز دور صدام حفتر كشخصية ناشئة في جهاز السلطة في برقة، حيث يعتبره العديد من المراقبين خليفة محتملاً لوالده كزعيم للجيش الوطني الليبي.