رفع الإقامة الجبرية عن مهدي كروبي: هل يعكس خوف خامنئي على مستقبل منصب المرشد الأعلى؟
في تطور بارز للمشهد السياسي الإيراني، تم الإعلان في مارس 2025 عن رفع الإقامة الجبرية عن رئيس البرلمان الإيراني الأسبق مهدي كروبي بعد أكثر من 14 عاماً من فرضها عليه. يأتي هذا القرار وسط تحولات سياسية في إيران وتساؤلات حول مستقبل القيادة والخلافة في نظام المرشد الأعلى. تُظهر التقارير أن قرار رفع الإقامة الجبرية جاء بتوجيهات من السلطة القضائية، مع استمرار المطالبات برفعها أيضاً عن قادة آخرين في الحركة الخضراء الإصلاحية، وخاصة ميرحسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد. يبدو أن هذا التطور يعكس تغيرات داخلية في سياسة النظام وربما مخاوف متعلقة بمستقبل السلطة في إيران، خاصة في ظل الحديث المتزايد عن خليفة المرشد الأعلى علي خامنئي.
خلفية فرض الإقامة الجبرية وملابساتها
فُرضت الإقامة الجبرية على مهدي كروبي في فبراير 2011 في أعقاب الاحتجاجات التي أعقبت انتخابات الرئاسة المثيرة للجدل عام 2009، حيث اعترض كروبي وميرحسين موسوي على نتائج الانتخابات التي أعلنت فوز محمود أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية. تلك الانتخابات أدت إلى موجة احتجاجات واسعة في إيران عُرفت باسم “الحركة الخضراء”، قابلتها السلطات بقمع شديد، وانتهت بفرض الإقامة الجبرية على القادة البارزين للحركة.
ظل كروبي رهن الإقامة الجبرية لفترة تراوحت بين 14-15 عاماً (هناك اختلاف طفيف في المصادر حول المدة الدقيقة)، وهي فترة طويلة جرت دون صدور حكم قضائي رسمي. قال مسؤولون إيرانيون في وقت سابق إن الإقامة الجبرية التي فرضت على قادة الحركة الخضراء تمت بأوامر مباشرة من المرشد الإيراني علي خامنئي وعلى مدى سنوات الإقامة الجبرية، دعت شخصيات إصلاحية عديدة، إلى جانب منظمات حقوقية محلية ودولية، إلى إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة على كروبي وموسوي.
تفاصيل قرار رفع الإقامة الجبرية
أعلن حسين كروبي، نجل مهدي كروبي، في مارس 2025 عن رفع الإقامة الجبرية عن والده بعد 14 عاماً، وذلك بناءً على توجيهات من رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني إجئي. أوضح في تصريحاته أن “الجهات الأمنية أبلغت والده السبت بقرار رفع الإقامة الجبرية، مع استمرار وجود عناصرها في مقر إقامته لأسباب أمنية حتى 9 أبريل (نيسان)، قبل أن تغادر لاحقاً”.
وفي حديث لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا)، أكد كروبي الابن هذا الخبر، قائلاً: “اعتبارًا من اليوم، ووفقًا لأمر رئيس السلطة القضائية، سيتم رفع احتجاز والدي”.. وأضاف: “بالطبع، ولأسباب أمنية، سيتواجد الضباط في منزل والدي حتى 10 أبريل نيسان المقبل، وبعد ذلك سيغادرون المنزل، ولم يتم إبلاغ والدي بأي قيود بعد رفع الإغلاق”.
العلاقة الإشكالية بين كروبي وخامنئي
العلاقة بين مهدي كروبي وعلي خامنئي تمتد لسنوات طويلة وشهدت نقاط توتر متعددة. إحدى أبرز محطات هذه العلاقة كانت في يونيو 2005، حينما غضب كروبي من نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها محمود أحمدي نجاد، واستقال من جميع المناصب التي منحه إياها خامنئي، وكتب رسالة إلى المرشد الإيراني تحدث فيها للمرة الأولى عن دور مجتبى خامنئي (ابن المرشد) في الساحة السياسية الإيرانية.
في رسالته، كشف كروبي عن دور مجتبى خامنئي في تغيير اتجاه القيادة عبر دعم محمود أحمدي نجاد قبل الانتخابات بثلاثة أيام واستبعاد المرشح الآخر محمد باقر قاليباف. كما أشار أيضاً إلى مستوى دعم علي خامنئي لابنه وتدخله في الشؤون السياسية، قائلاً: “سمعت أن أحد المسؤولين الكبار قال لكم إن نجلكم يدعم فلاناً وأنكم قلتم إنه رجل نبيل”.
مواجهة 2009 والإقامة الجبرية
في انتخابات 2009، كان كروبي مرشحاً مرة أخرى، وكأنما ردّاً غير مباشر على رسالته، تم الإعلان عن أصوات كروبي بأقل من مجموع الأصوات الباطلة في تلك الانتخابات. تلك النتيجة عززت موقف كروبي ورفاقه الإصلاحيين في الاعتراض على نتائج الانتخابات، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة فُرضت بعدها الإقامة الجبرية على كروبي وموسوي.
مخاوف من سيناريو “خروتشوف”
يبدو أن خامنئي، المرشد الأعلى في إيران منذ 34 عاماً، يخشى من تكرار سيناريو ما حدث في الاتحاد السوفياتي بعد وفاة ستالين. فقد ألقى نيكيتا خروتشوف، خليفة ستالين، خطاباً سرياً في المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي انتقد فيه بشدة فترة حكم ستالين القاسية وشخصيته، وهو ما اعتبره عديد من المؤرخين بداية عملية انهيار نظام الاتحاد السوفياتي.
تشير المصادر إلى أن خامنئي يخشى أن يظهر شخص مثل خروتشوف بعد وفاته، ولذلك يحاول ضمان اختيار خليفة سيستمر في نهجه ومبادئه دون مراجعة أو تغيير. وفي هذا السياق، قال خامنئي لأعضاء مجلس خبراء القيادة في فبراير 2024 إن “اختيار المرشد يجب أن يتم على أسس ثابتة”، وهي في الجمهورية الإسلامية “تعتبر من المسلمات والثوابت”.
مجتبى خامنئي والطريق نحو الخلافة
تشير العديد من التقارير إلى أن مجتبى خامنئي، نجل المرشد، قد يكون المرشح الأقوى لخلافة والده. فمنذ عام 2015، برز اسم مجتبى خامنئي كلما دار الحديث عن إمكانية الوصول غير المحدود إلى القوات العسكرية والأمنية، وكذلك تعيين أو إقصاء الأشخاص في مؤسسات النظام.
كشف الرئيس السابق لهيئة الإذاعة محمد سرافراز أن مجتبى لعب دوراً محورياً في تشكيل حلقة سرية في بيت علي خامنئي للتنسيق حول كيفية مواجهة حكومة محمد خاتمي بعد انتخابات 1997. وكان يشرف على هذه الاجتماعات الدورية مع الرئيس السابق لمنظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني حسين طائب.
سياسة الرئيس بزشكيان
أطلق الرئيس الإيراني المدعوم من الإصلاحيين، مسعود بزشكيان، الذي تولى مهامه في أغسطس 2024، شعار “الوفاق الوطني” بهدف تقليص الخلافات بين التيارين الإصلاحي والمحافظ، وذلك بعد سنوات من الدعوات إلى المصالحة الوطنية. ويبدو أن قرار رفع الإقامة الجبرية عن كروبي يأتي في سياق هذه المساعي.
الجدير بالذكر أن كروبي أدلى بصوته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، معلناً دعم بزشكيان، بينما قاطع ميرحسين موسوي العملية الانتخابية. هذا الاختلاف في الموقف قد يكون أحد أسباب البدء برفع الإقامة الجبرية عن كروبي قبل موسوي.
الآمال بشأن موسوي ورهنورد
خلال اتصال مع موقع “جماران” الإخباري، كشف حسين كروبي أن والده طالب المسؤولين الأمنيين بـ”رفع الحصار عن ميرحسين موسوي ورهنورد دون تأخير”، مؤكداً أن “القضية واحدة، وكان ينبغي رفع الحصار عنا معاً”.
ردت الجهات الأمنية، وفق رواية كروبي الابن، بأن “الإجراءات ذاتها التي طبقت على مهدي كروبي ستُطبَّق على ميرحسين موسوي خلال الأشهر المقبلة”، ما يُشير إلى احتمال رفع الإقامة الجبرية عنه قريباً. وفي تصريحه الجديد بعد رفع الحبس، قال مهدي كروبي: “لقد تم حبس مير حسين موسوي وأنا وحرمنا من حقوقنا القانونية في قضية ووفقا لأمر غير قانوني يتناقض مع العديد من مبادئ الدستور، بما في ذلك مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات”.
ودعا السيد كروبي إلى الإفراج الفوري عن مير حسين موسوي.
بين الإصلاح الحقيقي ومناورات النظام
يُعد قرار رفع الإقامة الجبرية عن مهدي كروبي تطوراً لافتاً في المشهد السياسي الإيراني، خاصة بعد 14 عاماً من فرضها. لكن التساؤل الأبرز يدور حول ما إذا كان هذا القرار يمثل بداية لفتح صفحة جديدة في العلاقة بين النظام والتيار الإصلاحي، أم مجرد مناورة تكتيكية في ظل استمرار سعي خامنئي لترتيب عملية انتقال السلطة بما يضمن استمرار نهجه.
تشير المعطيات إلى أن خوف خامنئي من تكرار سيناريو ما بعد ستالين، ومساعيه لترتيب خلافته، خاصة عبر تهيئة ابنه مجتبى، قد تكون من الأسباب الخفية وراء سلسلة من الخطوات السياسية المحسوبة، بما فيها التخفيف الجزئي من القيود على بعض الشخصيات المعارضة مثل كروبي.
إن مستقبل الإصلاح السياسي في إيران سيظل رهيناً بمدى قدرة النظام على فتح المجال لمصالحة حقيقية تتجاوز المناورات التكتيكية، وبمدى استعداد المرشد الأعلى للتنازل عن بعض مكتسبات سلطته المطلقة لصالح مشاركة سياسية أوسع. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار رفع الإقامة الجبرية عن كروبي خطوة أولية على طريق طويل ما زال في بدايته.