فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشأن غزة: دعوة للجهاد الشامل وسط تناقضات سياسية بارزة
في خضم استمرار الأزمة في غزة وانهيار الهدنة التي استمرت لأشهر، أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فتوى تدعو المسلمين في العالم إلى الجهاد الشامل ضد إسرائيل. تأتي هذه الفتوى في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات سياسية وعسكرية معقدة، من صعود أحمد الشرع إلى رئاسة سوريا، إلى مشاركة قطر والإمارات في مناورات عسكرية مشتركة مع إسرائيل، مما يثير تساؤلات حول الانتقائية في تحديد الدول المطالبة بالتحرك، وغياب ذكر دول محورية مثل سوريا وتركيا وقطر في نص الفتوى.
تفاصيل الفتوى وبنودها الرئيسية
أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتوى جديدة تدعو إلى الجهاد الشامل ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد انهيار الهدنة واستئناف الهجمات على قطاع غزة في مارس 2025. صدرت الفتوى عن لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد، واصفة ما يحدث في غزة بـ”المجازر الوحشية والقصف العشوائي”.
وجوب الجهاد ومسؤولية الدول
أكدت الفتوى على وجوب الجهاد بالسلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي على كل مسلم قادر، مشددة على أن هذا الوجوب يعد “فرض عين” على المسلمين أفرادًا وحكومات. وبينت أن هذا الفرض يقع أولاً على أهل فلسطين، ثم على دول الجوار المتمثلة في مصر والأردن ولبنان، ثم على باقي الدول العربية والإسلامية.
وأشارت الفتوى إلى ضرورة التدخل العسكري المباشر من قبل الدول العربية والإسلامية، مع دعم المقاومة الفلسطينية بجميع الوسائل: عسكريًا، ماليًا، إعلاميًا وحقوقيًا.
دعوات للمقاطعة وإعادة النظر في المعاهدات
حرمت الفتوى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ودعت إلى فرض حصار شامل عليه برًا وبحرًا وجوًا. كما طالبت بإعادة النظر في معاهدات السلام الموقعة مع إسرائيل، حيث نصت على أن “المعاهدات هدفها تحقيق المصلحة العامة لأهل الإسلام فندعو لمراجعتها وتقدير ما أقيمت لأجله وما التزمه العدو المحتل منها”.
الانتقائية في تحديد الدول المطالبة بالتحرك
تركيز على دول الجوار المباشر
أبرز ما يلفت الانتباه في الفتوى هو تحديدها الصريح لدول الجوار التي يقع عليها واجب التحرك العسكري، وهي مصر والأردن ولبنان. وقد جاء هذا التحديد بعبارات واضحة ومباشرة، حيث اعتبرت الفتوى أن “فرض العين في قتال الاحتلال الإسرائيلي أولا على أهل فلسطين ثم دول الجوار (مصر والأردن ولبنان)، ثم كافة الدول العربية والإسلامية”.
غياب ذكر سوريا بقيادة أحمد الشرع
لم تتضمن الفتوى أي إشارة إلى سوريا كإحدى دول الجوار المطالبة بالتحرك، رغم أنها من الدول المحاذية لفلسطين المحتلة. تأتي هذه الإغفالة في وقت يتولى فيه أحمد الشرع رئاسة الجمهورية العربية السورية منذ 29 يناير 2025، بعد تفويضه من قبل الفصائل المجتمعة لتولي رئاسة البلاد خلال المرحلة الانتقالية.
أحمد الشرع، المعروف سابقًا بلقب “أبو محمد الجولاني”، له تاريخ طويل مع الجماعات الإسلامية، حيث انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق عام 2003، وأسس “جبهة النصرة” في سوريا عام 2012، ثم “هيئة تحرير الشام” في 2017، قبل أن يصبح رئيسًا للبلاد مطلع 2025.
قطر والتناقض بين المواقف السياسية والعسكرية
المشاركة في مناورات عسكرية مع إسرائيل
في تطور لافت، بدأت قطر والإمارات العربية المتحدة المشاركة في مناورات “إنيوخوس 2025” الجوية متعددة الجنسيات في اليونان، جنبًا إلى جنب مع إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى. تستمر هذه المناورات من 31 مارس إلى 11 أبريل 2025، وتشارك فيها قطر للمرة الأولى بشكل مباشر مع إسرائيل.
وتشارك قطر والإمارات بمقاتلات حديثة، بينما ترسل إسرائيل طائرات G-550، وتساهم الولايات المتحدة بطائرات F-16 وKC-46 وKC-135 للتزود بالوقود. هذه المشاركة تمثل تحولاً ملحوظاً في العلاقات الإقليمية، حيث تُفسر مشاركة قطر كخطوة ضمنية نحو تعزيز التعاون مع إسرائيل.
غياب ذكر قطر وتركيا في الفتوى
رغم دور قطر كوسيط رئيسي في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، إلى جانب مصر والولايات المتحدة، ومشاركتها الحالية في المناورات العسكرية مع إسرائيل، لم تشر الفتوى إليها بشكل خاص. كما غاب ذكر تركيا، إحدى القوى الإقليمية ذات التأثير في المنطقة والتي لها علاقات مع حركات المقاومة الفلسطينية.
التناقضات السياسية والدينية في المشهد الإقليمي
التناقض بين الفتوى والواقع السياسي
تكشف هذه الفتوى عن تناقضات عميقة في المشهد السياسي والديني في المنطقة. فبينما تدعو الفتوى إلى وجوب الجهاد ضد إسرائيل وتحريم التطبيع معها، تشارك دول عربية مثل قطر والإمارات في مناورات عسكرية مشتركة معها.
وفي حين تطالب الفتوى بفرض حصار شامل على إسرائيل، تتقدم العلاقات العسكرية والدبلوماسية بين بعض الدول العربية وإسرائيل، كما يظهر من المناورات الجوية المشتركة التي “تُفسر كخطوة ضمنية نحو تعزيز التعاون مع إسرائيل، على الرغم من عدم توقيعها لاتفاقيات التطبيع”.
مكانة سوريا الجديدة في المعادلة الإقليمية
يثير غياب ذكر سوريا من الفتوى تساؤلات حول مكانتها الجديدة في المعادلة الإقليمية بعد تولي أحمد الشرع الرئاسة. فالشرع، القادم من خلفية قيادية في “هيئة تحرير الشام” و”جبهة النصرة”، أعلن في خطابه الأول عزمه على عقد “مؤتمر حوار وطني” وإصدار إعلان دستوري ليكون بمثابة “مرجعية قانونية” خلال الفترة الانتقالية.
ومع ذلك، لم تعكس الفتوى هذا التحول في القيادة السورية، ولم تشر إلى دور سوريا المحتمل في مواجهة إسرائيل، رغم موقعها الجغرافي المحاذي لفلسطين المحتلة.
ردود الفعل المتوقعة والتداعيات المحتملة
الضغط على الحكومات العربية
من المتوقع أن تضع هذه الفتوى مزيدًا من الضغط على الحكومات العربية، خاصة تلك المذكورة بالاسم كمصر والأردن ولبنان، للاستجابة للمطالب الشعبية بالتحرك نصرة لغزة. وقد شددت الفتوى على أن “ترك الحكومات العربية والإسلامية نصرة غزة وهي تباد يعدها الشرع جريمة كبرى في حق إخواننا المستضعفين في غزة”.
التشكيك في موقف الدول غير المذكورة
قد تؤدي الفتوى إلى تسليط الضوء على مواقف الدول غير المذكورة فيها، مثل سوريا بقيادة أحمد الشرع، وقطر المشاركة في مناورات مع إسرائيل، مما قد يدفع الرأي العام في هذه الدول للتساؤل عن أسباب عدم استهدافها بشكل مباشر في الفتوى.
تحديات تنفيذ الفتوى في ظل الواقع السياسي المعقد
تُمثل فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الداعية للجهاد الشامل ضد إسرائيل تحديًا كبيرًا للواقع السياسي في المنطقة، المليء بالتناقضات والمصالح المتشابكة. فبينما تدعو الفتوى لمواجهة مفتوحة مع إسرائيل، تسير بعض الدول العربية في مسار مختلف تمامًا، مع مشاركة قطر والإمارات في مناورات عسكرية مشتركة مع إسرائيل.
الانتقائية في تحديد الدول المطالبة بالتحرك، وغياب ذكر دول محورية كسوريا وتركيا وقطر، يعكس تعقيدات المشهد السياسي الإقليمي، ويطرح تساؤلات حول الأسس التي استندت إليها الفتوى في هذا التحديد.
في النهاية، تبقى احتمالات تنفيذ هذه الفتوى على أرض الواقع محدودة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، لكنها قد تسهم في تعزيز الضغط الشعبي على الحكومات العربية والإسلامية للاستجابة للأزمة الإنسانية المستمرة في غزة.