في الأيام الأخيرة، شهدت منصات التواصل الاجتماعي موجة من الجدل عقب تداول أنباء عن اعتقال محمد أبو تريكة، اللاعب المصري السابق المعروف بدعمه للقضية الفلسطينية، والداعية حاتم الحويني، وذلك بسبب ما قيل إنه اعتراض علني منهما على مشاركة القوات القطرية في مناورات “إنيوخوس 2025” العسكرية التي جرت في اليونان، بمشاركة إسرائيلية.
ومع أن الخبر لقي رواجًا كبيرًا، إلا أن التحريات والبحث في مصادر إعلامية موثوقة أظهرت أنه لا أساس له من الصحة، ولا توجد أي بيانات رسمية تؤكد حدوث اعتقال أو توقيف من أي نوع.
لكنّ غياب البيان الرسمي لا يمنع من طرح تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين حرية التعبير والسياسة القطرية، خصوصًا فيما يخص انتقاد القرارات العسكرية أو السياسية العليا.
بعض النشطاء والمراقبين رأوا أن “لا دخان بلا نار”، مستندين في ذلك إلى وقائع سابقة مشابهة جرت داخل قطر، وتحديدًا لمن يعارضون علنًا بعض التوجهات الرسمية، سواء عبر الإعلام أو المنصات الرقمية.
واحدة من أبرز هذه الشهادات جاءت من موظف سابق في مركز الدراسات الاستراتيجية الأمنية بوزارة الداخلية القطرية، الذي أكد في منشور له أنه تم استدعاؤه عام 2019 بعد تعليق ساخر عن زيارة عمر البشير، الرئيس السوداني وقتها، إلى قطر خلال فترة الثورة الشعبية ضده.
التعليق، رغم بساطته، قوبل بإجراءات مباشرة، شملت طلب اعتذار رسمي وإغلاق صفحته، ثم فُرض عليه الرحيل من قطر، بل ومنع من العودة إليها، كما تم أخذ بصمات عينه وكأنه مطلوب أمني. هذا النموذج يطرح نموذجًا لحساسية المؤسسات القطرية تجاه أي انتقاد، حتى ولو غير مباشر، يطال سياساتها أو يظهرها في موقف متناقض.
ما يدعم أيضًا فكرة أن استدعاء أبو تريكة والحويني قد يكون واردًا، هو الطبيعة المحافظة للإعلام الرسمي في قطر، وغياب التغطية أو الإشارة الواضحة من أي وسيلة محلية للخبر، على الرغم من انتشاره عربياً.
ويُشار إلى أن أبو تريكة له مواقف واضحة ضد التطبيع مع إسرائيل، حيث سبق له أن دعم مجموعة “شباب قطر ضد التطبيع” وكتب عام 2021 أن “التطبيع خيانة”، مما يعكس خطاً ثابتًا في رؤيته السياسية.
مشاركة قطر في مناورات تضم إسرائيل لم تمر دون نقد شعبي عربي واسع. فقد اعتبرها البعض تناقضًا صارخًا مع الخطاب القطري الإعلامي، وخاصة في قناة الجزيرة التي تتخذ غالبًا موقفًا داعمًا للفلسطينيين ومناهضًا للوجود الإسرائيلي في المنطقة.
ورغم أن بعض التفسيرات الرسمية تشير إلى أن هذه المشاركة تأتي في إطار التعاون الدولي، فإنها لا تنفي الصدمة التي أحدثتها لدى قطاعات واسعة من الرأي العام العربي.
التحليل الواقعي يقتضي الاعتراف بأن قطر، على الرغم من تقدمها في ملفات عدة وامتلاكها أدوات إعلامية مؤثرة، لا تختلف كثيرًا عن باقي دول الخليج في ما يتعلق بالرقابة السياسية وضيق الهامش المسموح به للنقد الداخلي.
وقد تأكد ذلك بإلغاء تجربة انتخابات مجلس الشورى، التي كانت تعتبر خطوة رمزية نحو إشراك المواطنين في القرار السياسي، لكنها جُمّدت لأسباب لم توضَّح بالكامل، ما يعكس أن النظام ما زال يتعامل بحذر مع أي توجه نحو الانفتاح السياسي الحقيقي.
في نهاية المطاف، لا يمكن التأكيد أو النفي القاطع لما إذا تم فعلاً استدعاء أبو تريكة والحويني للتنبيه، لكن يمكن بناء فرضية قوية على أن قطر، بحكم تجربتها السابقة مع أصوات ناقدة، قد تكون تعاملت مع الأمر داخلياً دون إحداث ضجة إعلامية، وهو أسلوب مألوف في مثل هذه القضايا. الغياب الكامل لأي تعليق رسمي قد يكون في حد ذاته مؤشراً على حساسية الموقف، خاصة عندما يتعلق بأسماء لها جماهيرية عربية، ويصعب المساس بها من دون حسابات دقيقة.










