في الخامس من أبريل، شهدت الولايات المتحدة الأميركية واحدة من أوسع موجات الغضب الشعبي في تاريخها الحديث.
في مشهد مهيب امتد عبر الولايات الخمسين، انطلقت أكثر من 1,200 مظاهرة شارك فيها ما يزيد عن نصف مليون أميركي، وفق تقديرات وسائل إعلام محلية ودولية.
لم تكن هذه المظاهرات اعتيادية، ولم يكن الحشد مجرد استعراض سياسي عابر، بل كانت صرخة مدوية ضد ما اعتبره المحتجون تهديداً مباشراً لمستقبل الديمقراطية الأميركية.
جذور الأزمة: بين الاقتصاد والسياسة
المحتجون الذين ملأوا الشوارع لم يحركهم قرار واحد أو حدث طارئ، بل شعور عميق ومتصاعد بأن الولايات المتحدة تُقاد نحو منحدر خطير.
حملت الشعارات كلمات مثل: “ليس رئيسي”، و”نرفض الاستبداد الاقتصادي”، و”الفاشية وصلت”، و”ابتعدوا عن تأميننا الاجتماعي”.
وكانت الرسالة الموحدة: “ارفعوا أيديكم – Hands Off”، في إشارة إلى رفض تدخل ترامب وإدارته في القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تمس المواطن العادي.
انهيار البورصة، ارتفاع الأسعار، تقليص الدعم الاجتماعي، وقرارات اقتصادية مثيرة للجدل ربطها المتظاهرون بسياسات ترامب ومستشاره الاقتصادي إيلون ماسك.
أما المفارقة الكبرى، فهي أن من يقود هذه الاحتجاجات ليسوا فقط الناشطين أو السياسيين، بل أميركيون من الطبقة المتوسطة والدنيا، سئموا من الشعور بأنهم مجرد ضحايا في لعبة يديرها الأغنياء.
انقلاب على الديمقراطية؟
لم يتوقف الغضب الشعبي عند حدود الاقتصاد. بل اتجه نحو ما وصفه المتظاهرون بـ”الانقلاب على الديمقراطية”.
اتهامات علنية طالت ترامب بمحاولة تفكيك أسس النظام الدستوري، خاصة بعد تلميحاته المتكررة بنيته تغيير الدستور لضمان فترة رئاسية ثالثة.
أوامره الرئاسية الأخيرة، والتي تتجاوز في قوتها المؤسسات التشريعية، أثارت قلقاً واسعاً بشأن التوازن بين السلطات.
يقول أحد المتظاهرين في نيويورك: “نشهد اليوم اغتيالاً ناعماً للدستور الأميركي. هذا الرجل يتصرف كأنه فوق القانون”.
من يقود الحراك؟
رغم أن تحالفات يسارية معروفة مثل “موف أون” و”ويمنز مارش” نظمت المظاهرات، فإن الزخم الحقيقي جاء من القاعدة الشعبية. عاملون في القطاع الصحي، معلمون، طلاب، متقاعدون، وحتى رجال أعمال صغار – جميعهم توحدوا خلف مطالب ترفض ترك أميركا في يد من وصفوه بـ”المهووس بالسلطة”.
يقول مراقبون إن قوة هذا الحراك لا تكمن فقط في حجمه، بل في تنوعه، وكونه لا يخضع لأجندة حزبية ضيقة، بل يعبر عن تحوّل جذري في المزاج الشعبي.
غزة الغائبة… لكن ليست منسية
ورغم تركيز المظاهرات على القضايا المحلية، إلا أن بعض المشاركين حاولوا إحياء ذكر غزة، خاصة في ظل تصاعد الغضب العالمي من الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل.
ورفع بعض النشطاء لافتات تستنكر تجاهل الإدارة الأميركية للمجازر في فلسطين، رغم أن الموضوع لم يحتل مساحة كبيرة ضمن الشعارات العامة.
هل نحن أمام ربيع أميركي؟
تشبيه ما يجري بـ”الربيع العربي” قد يبدو للوهلة الأولى مبالغة، لكن الوقائع تقول إننا أمام حراك تتوفر فيه كل مقومات التحول التاريخي: غضب شعبي واسع، أزمة اقتصادية خانقة، توتر سياسي، وسلوك سلطوي من الرئيس. الفارق الوحيد أن المؤسسات الأميركية لا تزال – إلى الآن – تعمل، وإن كانت ببطء.
لكن الخطر الحقيقي يكمن في سعي ترامب للهروب من الأزمة الداخلية عبر افتعال مواجهات خارجية.
الحرب كملاذ أخير؟
زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن في توقيت متزامن مع الاحتجاجات ليست مصادفة.
الحديث يدور في كواليس السياسة عن احتمال تصعيد عسكري مع إيران، بهدف صرف الأنظار عن الاحتجاجات الداخلية، وتقديم ترامب بمظهر القائد القوي الذي يدافع عن الأمن القومي.
صحيفة “ناشيونال إنترست” كشفت عن تقارير استخباراتية تفيد بأن إيران مستعدة للرد على أي استفزاز، حتى ولو كان ذلك يعني استهداف قواعد أميركية أو غرق حاملات طائرات في الخليج.
كرة الثلج بدأت بالتدحرج
الاحتجاجات الحالية قد لا تطيح بترامب غداً، لكنها بالتأكيد تزرع بذور التغيير. أميركا تشهد لحظة فارقة: إما أن تعيد اكتشاف روحها الديمقراطية، أو تنزلق نحو هاوية سلطوية لا عودة منها.
ترامب قد ينجح في المناورة لبعض الوقت، لكنه لن ينجو إلى الأبد من محاسبة شعب بدأ أخيراً في رفع صوته. وكما قال أحد النشطاء: “هذه بداية النهاية. الكرة بدأت تتدحرج، ولن تتوقف حتى تطيح بكل من تلاعبوا بمستقبلنا”.