انهيار تاريخي للتومان الإيراني: الدولار يتجاوز 106 آلاف تومان وسط توترات متصاعدة مع واشنطن
سجل التومان الإيراني انهيارًا تاريخيًا غير مسبوق، حيث وصل سعر الدولار الأمريكي إلى مستوى قياسي جديد بلغ 106 آلاف تومان، بينما ارتفعت قيمة العملة الذهبية إلى 98 مليون و800 ألف تومان. يأتي هذا الانهيار في ظل تصاعد التوترات بين طهران وواشنطن، واستمرار الضغوط الاقتصادية الأمريكية على إيران. وقد شهدت الأشهر الأخيرة تدهورًا متسارعًا في قيمة العملة الإيرانية، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية وموجة غضب شعبي متصاعدة. يمثل هذا التراجع امتدادًا لأزمة اقتصادية عميقة بدأت تتفاقم بشكل ملحوظ منذ إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتشديد العقوبات على القطاع النفطي الإيراني.
التدهور المتسارع للعملة الإيرانية
شهدت العملة الإيرانية تراجعًا حادًا خلال الأشهر الأخيرة، مع تسارع وتيرة هذا التراجع بشكل ملحوظ منذ بداية عام 2025. فبعد أن كان سعر الدولار الأمريكي يعادل حوالي 58 ألف تومان في أواخر أغسطس 2024 عندما تولى مسعود بزشكيان السلطة، تجاوز الآن حاجز 106 آلاف تومان، مسجلًا بذلك انخفاضًا في قيمة العملة المحلية بنسبة تفوق 80% خلال فترة لا تتجاوز ثمانية أشهر.
وقد مر هذا التدهور بمراحل متسارعة، إذ وصل سعر الدولار إلى 95 ألف تومان في 22 فبراير 2025، وارتفع ليصل إلى 103,500 تومان في 25 مارس 2025، قبل أن يقفز إلى المستوى الحالي. هذا التدهور المتسارع يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران، والتي تتفاقم يومًا بعد يوم دون وجود حلول فعالة في الأفق.
كما تأثرت العملات الأجنبية الأخرى بهذا التدهور، حيث وصل سعر اليورو إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت 122 ألف تومان، بينما تخطى الجنيه الإسترليني حاجز الـ 140 ألف تومان، مما يزيد من صعوبة التبادل التجاري الدولي ويفاقم أزمة الاستيراد.
تأثير العوامل السياسية على انهيار التومان
يرتبط انهيار التومان الإيراني ارتباطًا وثيقًا بالتطورات السياسية، خاصة العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة الأمريكية. فمنذ تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 يناير 2025، شهد الدولار ارتفاعًا تدريجيًا في إيران، حيث بلغ في يوم التنصيب حوالي 81 ألف تومان، ليزيد بمقدار 1500 تومان في اليوم التالي مباشرة.
وبعد توقيع ترامب على أمر تنفيذي يقضي بخفض صادرات النفط الإيراني إلى الصفر، ارتفع سعر الدولار بنحو ألف تومان إضافية، متجاوزًا 85 ألف تومان. هذه الخطوة الأمريكية ألقت بظلالها على الاقتصاد الإيراني، الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، مما أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الهش أصلاً.
تزايدت التكهنات مؤخرًا حول إمكانية إجراء مفاوضات جديدة بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكن الأجواء تتسم بالتشاؤم حول احتمالية استئناف المفاوضات وتخفيف العقوبات. وقد أرسلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة إلى الزعيم الإيراني علي خامنئي، تتضمن وفقًا لتقارير طهران “فرصًا وتهديدات”، مما يعكس استمرار التوتر في العلاقات بين البلدين.
تأثيرات الأزمة على الاقتصاد والمجتمع الإيراني
ارتفاع أسعار الذهب والعملات المعدنية
لم تقتصر تداعيات الأزمة الاقتصادية على سوق العملات الأجنبية فحسب، بل امتدت لتشمل أسواق الذهب والعملات المعدنية. فقد ارتفعت قيمة العملة الذهبية بشكل كبير لتصل إلى 98 مليون و800 ألف تومان، بعد أن كانت في حدود 97 مليون تومان في أواخر مارس 2025، و80 مليون تومان في فبراير من نفس العام.
هذا الارتفاع في أسعار الذهب يعكس لجوء المواطنين الإيرانيين إلى تحويل مدخراتهم إلى أصول أكثر استقرارًا، كالذهب والعملات الأجنبية، في محاولة للحفاظ على قيمة أموالهم وسط التقلبات الاقتصادية المستمرة والتضخم المرتفع. وتساهم هذه الظاهرة أيضًا في تدهور قيمة الريال، حيث يؤثر نقص الطلب على العملة المحلية في تعزيز ارتفاع أسعار العملات الأجنبية.
التضخم المفرط وتأثيره على حياة المواطنين
استمر التضخم في إيران في معدلات مرتفعة، حيث تجاوزت النسب حاجز 40% في السنوات الأخيرة. هذا التضخم المفرط انعكس بشكل مباشر على أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، مما أدى إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين وانتشار حالة من الاستياء العام.
ونتيجة لذلك، شهدت الأسواق الإيرانية احتجاجات من قبل كبار موزعي المواد الغذائية في طهران، الذين أغلقوا متاجرهم احتجاجًا على ارتفاع الأسعار. كما بدأ أعضاء البرلمان الإيراني في الضغط على الحكومة، حيث يسعى البعض إلى عزل وزير الاقتصاد والمالية عبد الناصر همتي، بسبب فشله في معالجة هذه الأزمة الاقتصادية.
الآثار الاقتصادية للعقوبات الأمريكية
تراجع الصادرات النفطية وتأثيرها على الاقتصاد
أدت العقوبات الأمريكية المشددة على قطاع النفط الإيراني إلى تراجع كبير في صادرات النفط، وهو المورد الرئيسي للعملة الصعبة في البلاد. بعد توقيع ترامب على أمر تنفيذي بخفض صادرات النفط الإيراني إلى الصفر، ازدادت الضغوط على الاقتصاد الإيراني، مما أسهم في انهيار قيمة العملة المحلية.
هذا التراجع في عائدات النفط أضعف قدرة البنك المركزي الإيراني على التدخل في سوق العملات والحفاظ على استقرار قيمة التومان. كما أدى نقص العملة الصعبة إلى صعوبات في استيراد المواد الأساسية والأدوية والتكنولوجيا، مما فاقم من الأزمة الاقتصادية.
محاولات الحكومة الإيرانية لمواجهة الأزمة
تواجه الحكومة الإيرانية برئاسة مسعود بزشكيان تحديات كبيرة في التعامل مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. ومنذ توليه السلطة في أغسطس 2024، شهد الريال الإيراني انخفاضًا حادًا في قيمته. وعلى الرغم من محاولات الحكومة للسيطرة على سوق العملات، إلا أن الإجراءات المتخذة لم تنجح في وقف تدهور قيمة التومان.
كما يواجه وزير الاقتصاد والمالية عبد الناصر همتي ضغوطًا متزايدة من أعضاء البرلمان الإيراني، الذين يسعون إلى عزله بسبب فشله في معالجة الأزمة الاقتصادية. هذه الضغوط السياسية تعكس حالة من الارتباك والتخبط في إدارة الملف الاقتصادي، وتشير إلى عمق الأزمة التي تواجهها البلاد.










