بدعم الإمارات.. حركة فاكت التشادية ترسل مرتزقة لدعم الدعم السريع في معركة الفاشر
كشفت مصادر ميدانية ودبلوماسية عن وجود تحالف خفي بين الإمارات وحركة فاكت التشادية لدعم قوات الدعم السريع في صراعها مع الجيش السوداني، وتحديداً في معركة الفاشر بدارفور التي شهدت مقتل قيادات بارزة من المرتزقة التشاديين. وتأتي هذه التطورات في ظل اتهامات متزايدة للإمارات بتزويد الدعم السريع بالسلاح والمعدات العسكرية عبر الأراضي التشادية، ضمن استراتيجية إقليمية لإطالة أمد الصراع في السودان.
الدعم الإماراتي لميليشيات الدعم السريع: الأدلة والمؤشرات
كشفت مصادر دبلوماسية موثوقة عن تحايل دولة الإمارات لدعم ميليشيات التمرد وقوات الدعم السريع في السودان وتأمين إمداداتها بالعتاد العسكري. وتشير هذه المصادر إلى أن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان استقبل قبل فترة الرئيس الانتقالي لتشاد محمد إدريس ديبي إيتنو لإبرام تفاهمات سرية معه وسط إغراءات مالية كبيرة لحكومته.
وأوضحت المصادر أن تفاهمات الإمارات استهدفت استغلال موقع تشاد كدولة حدودية مع السودان لاستخدامها في تهريب الأسلحة والعتاد العسكري لقوات الدعم السريع. ويأتي هذا التحرك الإماراتي بعد أن رفض النظام المصري التواطؤ في تزويد ميليشيات الدعم السريع بالعتاد العسكري، مما دفع الإمارات للتوجه نحو النظام التشادي لدعمه بالمال وشراء الذمم لإطالة أمد الصراع في السودان واستمرار الفوضى فيها.
وقد أظهرت تحقيقات أجرتها منصة “إيكاد” وجود أدلة جديدة بشأن تورط دولة الإمارات في تزويد ميليشيات الدعم السريع بطائرات مسيرة، حيث نجح الجيش السوداني في إسقاط مسيّرتين أثناء استهدافهم سلاح المدرعات في 13 يونيو الماضي. وأكدت المنصة أن تلك المسيّرات كانت تحمل ذخائر كُتب عليها “الإمارات”، كما أنها سبق أن رُصدت في اليمن وإثيوبيا عبر الإمارات، مما يشير إلى تورط أبوظبي بشكل مباشر في دعم ميليشيات الدعم السريع.
حركة فاكت التشادية ودورها في معركة الفاشر
تُعد جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد (فاكت) من الحركات المسلحة النشطة في المنطقة الحدودية بين تشاد والسودان. وقد تأكدت مشاركة عناصر من هذه الحركة في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع في معركة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تمثل موقعاً استراتيجياً هاماً في المنطقة.
وفي تطور لافت، أكدت عدة مصادر ميدانية مقتل مهدي بشير، نائب قائد حركة فاكت التشادية، خلال المعارك التي دارت في الفاشر. وكان بشير قد تم أسره في المعارك التي قتل فيها الرئيس التشادي إدريس ديبي عام 2021 في تشاد، وأطلق سراحه بعد اندلاع الحرب في السودان، حيث انضم لصفوف مليشيا الدعم السريع.
وتشير المعلومات إلى أن مهدي بشير شارك في معارك الخرطوم مع العشرات من المقاتلين التشاديين، كما هدد أهالي الفاشر قبل أيام قليلة عبر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن يلقى مصرعه على أيدي القوات السودانية المشتركة. كما تم أسر مقاتلين آخرين من حركة فاكت التشادية خلال تلك المعارك، مما يؤكد المشاركة الواسعة للمرتزقة الأجانب في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع.
شهادات وتصريحات تكشف التورط الإماراتي
في تصريحات مهمة، كشف القيادي بجبهة الوفاق من أجل التغيير بتشاد (فاكت) محمد شريف جاكو أن التشاديين الذين يحاربون مع مليشيا الدعم السريع هم من العرب الذين يبحثون عن المال ويحاربون للامتدادات القبلية بين البلدين. وأكد جاكو أن اتهام المعارضة التشادية في عمومها بأنها تدعم الدعم السريع أمر غير دقيق، مشيراً إلى أن المعارضة التشادية تضم مكونات مختلفة، ولها مواقف متباينة تجاه ما يجري في السودان.
وفي اتهام صريح، قال جاكو إن النظام التشادي متورط في حرب السودان، مشيراً إلى أن الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي ليست لديه خبرة ولا دراية بشؤون الحكم، وأن فرنسا والإمارات تتحكمان فيه بشكل كبير، وذلك لأطماع باريس وأبوظبي في السودان.
واتهم جاكو الإمارات بالتعاون مع ديبي في توصيل الإمدادات العسكرية واللوجستية للدعم السريع، وقال إن ديبي غير موقفه في الحرب السودانية بعد استدعائه من قبل الإمارات ودفع ملايين الدولارات له. وتساءل لماذا قامت الإمارات بإنشاء مستشفى ميداني في مدينة “أم جرس” على وجه الخصوص، والتي تبعد 600 كيلومتر وسط الصحراء عن مدينة “أدري” التي يوجد بها مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين.
معركة الفاشر: الأبعاد الاستراتيجية والخسائر
بدأت معركة الفاشر في الساعات الأولى من صباح أحد الأيام، حيث هاجمت قوات الدعم السريع والمرتزقة المتحالفين معها المدينة من ثلاثة محاور. وقد نجحت القوات المسلحة السودانية والحركات المسلحة المتحالفة معها في صد الهجوم وتكبيد المهاجمين خسائر فادحة.
وشارك في المعركة الطيران الحربي السوداني، حيث حلق في سماء الفاشر وتعامل مع أهداف داخل وخارج المدينة، بدءاً بطائرة اليوشن ثم تلتها الأنتينوف، وتمكنت من استهداف العديد من المواقع. وكشفت المعلومات أن عبدالرحيم دقلو وصل إلى دارفور للتعبئة لمعركة الفاشر، ويبدو أن هناك ضغطاً للمشاركة حيث شارك عدد من المجندين بدون سلاح.
وتشير التقديرات إلى مقتل 227 مقاتلاً من قوات الدعم السريع والمرتزقة المتحالفين معها، إضافة إلى جرح 506 آخرين. كما تم الاستيلاء على 19 عربة سليمة وتدمير 39 عربة قتالية. ومن أبرز القادة الميدانيين الذين قتلوا في المعركة، إضافة إلى مهدي بشير، الأمير عبد الرحمن كبرو قائد الهجوم وأمير فزع الجنينة الذي كان قد هدد قبل يومين بإحراق الفاشر، وكذلك المقدم هلا أحمد محمد جالي.
التداعيات الإقليمية والدولية للصراع
استمرار الصراع في السودان ومشاركة مرتزقة أجانب فيه يمثل تهديداً خطيراً لاستقرار المنطقة بأكملها. وقد أبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش استياءه الشديد من هجوم قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر ودعا إلى وقف القتال فوراً.
وتتداخل الصراعات في المنطقة بشكل معقد، حيث أصبح النزاع في السودان ساحة للتنافس الإقليمي والدولي. وفي ظل وجود أدلة على تورط دول إقليمية في تأجيج الصراع، تتزايد المخاوف من تحول الحرب في السودان إلى حرب بالوكالة، مما يجعل من الصعب التوصل إلى حل سلمي ينهي معاناة السودانيين.
وتشير التقديرات إلى أن الحرب في السودان قد تسببت في مقتل أكثر من 61 ألف شخص في ولاية الخرطوم وحدها خلال أول 14 شهراً من اندلاعها، وهناك أدلة على أن العدد الإجمالي أعلى بكثير مما تم تسجيله. كما تشير التقارير الأممية إلى نزوح ملايين السودانيين، سواء داخلياً أو إلى دول الجوار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي تشهدها المنطقة.
وفي ظل هذه التطورات الخطيرة، يتطلب الأمر موقفاً دولياً حازماً لوقف تدفق السلاح والمرتزقة إلى المنطقة، والضغط على جميع الأطراف المتحاربة للجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى حل سلمي ينهي دوامة العنف التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عام. كما ينبغي محاسبة الجهات الإقليمية والدولية المتورطة في تأجيج الصراع ودعم الميليشيات المسلحة، لمنع تحول السودان إلى مسرح آخر للحروب بالوكالة في المنطقة.










