ميليشيات عراقية مدعومة من إيران تبدي استعدادها لتسليم السلاح لتفادي هجمات أمريكية
في تطور لافت قد يشكل نقطة تحول في المشهد السياسي والأمني العراقي، أعلنت ميليشيات عراقية مدعومة من إيران استعدادها لنزع سلاحها وإخلاء مقراتها في المدن الكبيرة وسط مخاوف متزايدة من هجمات أمريكية محتملة. هذه الخطوة غير المسبوقة تأتي بعد تحذيرات متكررة وجهتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحكومة العراقية، مطالبة بحل هذه الفصائل المسلحة التي ظلت لسنوات طويلة تشكل تحدياً للسيادة العراقية وعاملاً من عوامل عدم الاستقرار في المنطقة.
خلفية الأزمة والضغوط الأمريكية
تصاعدت الضغوط الأمريكية على الحكومة العراقية بشكل ملحوظ منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025. وقال 10 من كبار القادة والمسؤولين العراقيين لوكالة رويترز إن عدة فصائل مسلحة قوية مدعومة من إيران في العراق مستعدة ولأول مرة لنزع سلاحها لتجنب خطر تصاعد الصراع مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ووفقاً للمصادر، فقد وجهت واشنطن تحذيرات متكررة وحاسمة للحكومة العراقية منذ تولي ترامب السلطة، مؤكدة أن هذه الجماعات قد تصبح هدفاً للغارات الجوية الأمريكية في حال لم يتم حلّها. وأضافت المصادر أن المسؤولين الأمريكيين أبلغوا بغداد بشكل غير رسمي أنه ما لم تتخذ إجراءات لحل الفصائل النشطة على أراضيها، فإن واشنطن قد تستهدفها بغارات جوية.
وتأتي هذه التطورات الحالية امتداداً لجهود سابقة بدأت في ديسمبر 2024، حيث كشفت تقارير إعلامية أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن طلب من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني “اتخاذ إجراءات صارمة” ضد الميليشيات المدعومة من طهران في بلاده، ومنع إيران من نقل الأسلحة عبر العراق إلى الميليشيات في سوريا.
الفصائل المعنية وحجم قواتها
تنتمي الفصائل التي أبدت استعدادها لتسليم السلاح إلى تحالف المقاومة الإسلامية في العراق، الذي يضم حوالي 10 فصائل شيعية مسلحة متشددة تقود مجتمعة ما يقرب من 50 ألف مقاتل وبحوزتها ترسانات تشمل صواريخ بعيدة المدى وأسلحة مضادة للطائرات. ومن أبرز هذه الفصائل: كتائب حزب الله، وحركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وحركة أنصار الله الأوفياء.
ويشكل هذا التحالف ركيزة أساسية في محور المقاومة الذي يضم شبكة من الجماعات والفصائل المدعومة من إيران أو المتحالفة معها بالمنطقة، وأعلن مسؤوليته عن عشرات الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل والقوات الأمريكية في العراق وسوريا منذ اندلاع حرب غزة قبل حوالي 18 شهراً.
مفاوضات متقدمة وموقف الحكومة العراقية
تشير التقارير إلى أن المناقشات بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وعدد من قادة الفصائل المسلحة وصلت إلى مرحلة “متقدمة للغاية”، وإن الجماعات تميل إلى الامتثال لدعوات الولايات المتحدة لنزع سلاحها. وقال عزت الشابندر، السياسي الشيعي الكبير والمقرب من الائتلاف الحاكم في العراق، لرويترز إن “الفصائل لا تتصرف بعناد او تصر على الاستمرار بصيغتها الحالية”، مضيفاً أن الفصائل “تدرك تماماً” أنها قد تكون هدفاً للولايات المتحدة.
من جانبه، أكد فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية، أن السوداني ملتزم بضمان أن تكون جميع الأسلحة في العراق تحت سيطرة الدولة من خلال “حوار بناء مع مختلف الجهات الفاعلة الوطنية”. وذكر المسؤولان الأمنيان العراقيان أن السوداني يضغط من أجل نزع سلاح جميع فصائل تحالف المقاومة الإسلامية في العراق، والتي تعلن الولاء للحرس الثوري الإيراني أو فيلق القدس التابع له، وليس لبغداد.
موقف قادة الفصائل والدور الإيراني
في تصريحات لافتة، قال قيادي في كتائب حزب الله، أقوى الفصائل الشيعية المسلحة في العراق، متحدثاً وهو يرتدي كمامة سوداء ونظارة شمسية: “ترامب مستعد لتصعيد الحرب معنا إلى مستويات أسوأ، نحن نعلم ذلك، ونريد تجنب مثل هذا السيناريو السيئ”. وأكد القادة أن حليفهم وراعيهم الرئيسي، الحرس الثوري الإيراني، منحهم موافقته على اتخاذ أي قرارات يرونها ضرورية لتجنب الانجرار إلى صراع قد يكون مدمراً مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
هذا الموقف من قبل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يشير إلى تغير محتمل في الاستراتيجية الإيرانية تجاه الملف العراقي، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها إيران على الصعيدين الداخلي والخارجي. ومع ذلك، رفضت قيادات الحرس الثوري الإيراني ووزارة الخارجية الإيرانية التعليق على هذه التطورات عندما توجهت إليها وكالة رويترز بأسئلة حول الموضوع.
خطوات عملية وإجراءات احترازية
بدأت بعض الفصائل المسلحة بالفعل باتخاذ خطوات عملية استباقية في ظل المخاوف من الاستهداف الأمريكي. ويقول مسؤولون وقادة إن بعض الفصائل أخلت بالفعل مقراتها الرئيسية إلى حد كبير وقلصت وجودها في المدن الكبرى، بما في ذلك الموصل ومحافظة الأنبار، منذ منتصف يناير خشية التعرض لغارات جوية.
وأضافوا أن العديد من القادة عززوا أيضاً إجراءاتهم الأمنية خلال تلك الفترة، بما في ذلك تغيير هواتفهم المحمولة ومركباتهم ومساكنهم بشكل متكرر. هذه الإجراءات تعكس مدى جدية التهديدات الأمريكية وخشية هذه الفصائل من استهدافها بشكل مباشر، على غرار ما حدث مع قادة بارزين من محور المقاومة في السنوات الماضية.
تداعيات محتملة وشكوك أمريكية
على الرغم من هذه التطورات الإيجابية، لا تزال هناك شكوك أمريكية حول استمرارية هذه العملية على المدى الطويل. فقد أبدى مسؤول أمريكي، في حديث لرويترز، تشكّكه في إمكانية استمرار عملية نزع السلاح، مذكّراً بأن هذه الجماعات أوقفت هجماتها في السابق تحت ضغط أمريكي، لكن الأمر كان “مؤقتاً”.
كما يأتي هذا التطور في وقت كان عضوان في الكونغرس الأمريكي قد قدّما مشروع قانون بعنوان “تحرير العراق من النفوذ الإيراني”، يهدف إلى تقليص دور طهران وتعزيز استقلال بغداد. هذا المشروع يعكس الاهتمام الأمريكي المتزايد بالحد من النفوذ الإيراني في العراق، وقد يشكل ضغطاً إضافياً على الفصائل المسلحة والحكومة العراقية على حد سواء.
تأثيرات محتملة على المشهد السياسي والأمني العراقي
إذا استمرت هذه العملية ونجحت في نزع سلاح الفصائل المدعومة من إيران، فقد تكون لها تأثيرات عميقة على المشهد السياسي والأمني في العراق. فمن ناحية، يمكن أن تعزز سيادة الدولة العراقية وسيطرتها على القرار الأمني والسياسي، مما قد ينعكس إيجاباً على الاستقرار الداخلي.
ومن ناحية أخرى، قد تؤدي هذه الخطوة إلى تقليص النفوذ الإيراني في العراق، وهو ما قد يؤثر على التوازنات الإقليمية ويغير من طبيعة العلاقات بين بغداد وطهران. كما أن هذا التطور قد يفتح الباب أمام تحسين العلاقات العراقية-الأمريكية، ويساهم في خفض التوتر في المنطقة بشكل عام.