موقف دار الإفتاء المصرية من فتوى الجهاد المسلح ضد إسرائيل
أصدرت دار الإفتاء المصرية يوم الاثنين الموافق 7 أبريل 2025 بيانًا رسميًا رافضًا لدعوات الجهاد المسلح ضد إسرائيل التي أطلقها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ووصفت هذه الدعوات بأنها “تفتقر إلى الأسس الشرعية وتهدد استقرار المجتمعات الإسلامية”. جاء هذا البيان في سياق جدل ديني وسياسي متصاعد حول كيفية التعامل مع الصراع المستمر في غزة وفلسطين، مشددة على ضرورة اتباع الضوابط الشرعية الدقيقة في مثل هذه القضايا الحساسة.
المفهوم الشرعي للجهاد وشروطه من منظور دار الإفتاء
شددت دار الإفتاء المصرية في بيانها على أن “الجهاد مفهومٌ شرعيٌّ دقيق، له شروط وأركان ومقاصد واضحة ومحددة شرعًا”، وليس من حق أي جهة أو جماعة معينة أن تصدر فتاوى في هذه الأمور الحساسة بما يخالف قواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها العليا. وأوضحت المؤسسة الدينية الرسمية أن الجهاد في الإسلام نظام محكم يخضع لضوابط شرعية دقيقة، ولا يمكن أن يترك للاجتهادات الفردية أو الجماعية غير المسؤولة التي قد تعرض أمن واستقرار المجتمعات والدول الإسلامية للخطر.
وفي إطار توضيحها للموقف الشرعي، أكدت دار الإفتاء أن الجهاد كمفهوم إسلامي لا يمكن تبسيطه أو تحويله إلى شعارات عاطفية، بل هو نظام متكامل يستند إلى تقدير دقيق للمصالح والمفاسد، ويراعي قدرات الأمة وإمكاناتها الواقعية، مشيرة إلى أن الدعوات التي لا تأخذ في اعتبارها هذه الجوانب تفتقر إلى المشروعية الشرعية.
السلطة المخولة بإعلان الجهاد
من أبرز ما جاء في بيان دار الإفتاء المصرية تأكيدها على أن “إعلان الجهاد واتخاذ قرار الحرب والقتال لا يكون إلا تحت راية، ويتحقق هذا في عصرنا من خلال الدولة الشرعية والقيادة السياسية”. واعتبرت أن البيانات الصادرة عن كيانات أو اتحادات لا تمتلك أي سلطة شرعية، ولا تمثل المسلمين شرعًا ولا واقعًا، لا يمكن الاعتداد بها في مثل هذه المسائل المصيرية.
وحذرت المؤسسة الدينية من أن “أي تحريض للأفراد على مخالفة دولهم والخروج على قرارات ولي الأمر يُعدُّ دعوة إلى الفوضى والاضطراب والإفساد في الأرض”، وهو أمر منهي عنه في الشريعة الإسلامية. وبذلك تكون دار الإفتاء قد وضعت حدودًا واضحة بين الدعم المشروع للقضية الفلسطينية وبين الدعوات التي تتجاوز سلطة الدولة وتهدد استقرارها.
مراعاة الواقع السياسي والعسكري للأمة
انتقدت دار الإفتاء المصرية بشدة الدعوات إلى الجهاد التي لا تراعي الواقع العملي والسياسي والعسكري للأمة، معتبرة أنها “دعوة غير مسؤولة وتخالف المبادئ الشرعية التي تأمر بالأخذ بالأسباب ومراعاة المآلات”. وأكدت أن الشريعة الإسلامية تحث على تقدير المصالح والمفاسد، وتحذر من القرارات المتسرعة التي لا تراعي المصلحة العامة، بل قد تؤدي إلى مضاعفة الضرر على الأمة والمجتمع.
وأشارت المؤسسة الدينية إلى أن إطلاق دعوات للجهاد دون أخذ الواقع الإقليمي والدولي في الاعتبار قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد والخراب والتهجير للشعب الفلسطيني، وهو ما يخالف المقاصد الشرعية العليا التي تهدف إلى حفظ النفس والمال والمصالح العامة.
المسؤولية الأخلاقية للداعين إلى الجهاد
في جانب لافت من البيان، أكدت دار الإفتاء المصرية على ضرورة أن “من يدعو إلى الجهاد يجب عليه أولًا أن يتقدم الصفوف بنفسه، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات”، وانتقدت من يكتفون باستثارة العواطف والمشاعر تاركين غيرهم يواجهون العواقب. وهو موقف يشير إلى رفض المؤسسة الدينية للخطاب العاطفي الذي يغفل التبعات العملية والمسؤولية الأخلاقية.
وفي هذا الإطار، قالت دار الإفتاء إن الشريعة الإسلامية تفرض على من يتصدى لمثل هذه الفتاوى أن يتحمل نتائجها ويكون في مقدمة من يعمل بها، وليس أن يكتفي بإطلاق الدعوات من بعيد دون تحمل أي مسؤولية عن عواقبها.
دعم القضية الفلسطينية المشروعة
رغم رفضها لفتاوى الجهاد غير المسؤولة، أكدت دار الإفتاء المصرية أن “دعم الشعب الفلسطيني في حقوقه المشروعة واجب شرعي وإنساني وأخلاقي”، لكنها اشترطت أن يكون هذا الدعم “في إطار ما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني، وليس لخدمة أجندات معينة أو مغامرات غير محسوبة العواقب”.
ودعت المؤسسة الدينية إلى توجيه جهود الأمة الإسلامية “نحو العمل الجاد من أجل إيقاف التصعيد ومنع التهجير، بدلًا من الدفع نحو مغامرات غير محسوبة تُعمِّق الأزمة وتزيد من مأساة الفلسطينيين”. واقترحت بدائل عملية تتمثل في العمل المشترك ووقف التصعيد ومنع تفاقم الأزمة، بدلاً من الدعوات العاطفية التي قد تؤدي إلى المزيد من الدمار والمعاناة.
السياق الإقليمي والخلاف الديني حول قضية غزة
يأتي بيان دار الإفتاء المصرية في سياق توتر إقليمي متصاعد، حيث تسعى المؤسسات الدينية الرسمية لضبط الخطاب الديني ومنع انزلاقه نحو الفوضى. وقد أثارت فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين جدلاً واسعاً، حيث رحبت بها بعض الجماعات الإسلامية، لكنها قوبلت برفض من مؤسسات دينية إسلامية واسعة.