ألمانيا تعلق مؤقتًا برنامج إعادة توطين اللاجئين المعرضين للخطر
أعلنت ألمانيا تعليق استقبال اللاجئين ضمن برنامج إعادة التوطين التابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة، في خطوة تعكس تشديد السياسات الأوروبية تجاه اللجوء والهجرة. يأتي هذا القرار في ظل مفاوضات ائتلافية حساسة، وتزايد القلق الشعبي والسياسي من أعداد المهاجرين، كما تشير مصادر متعددة إلى تحول كبير في سياسة الدولة التي طالما استضافت أعدادًا كبيرة من اللاجئين.
تفاصيل القرار وأسبابه المباشرة
أكدت وزارة الداخلية الألمانية اليوم الثلاثاء الموافق 8 أبريل 2025 تعليق قبول اللاجئين مؤقتًا ضمن برنامج إعادة التوطين التابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ووفقًا للمصادر، يشمل هذا القرار تجميد استقبال أي لاجئين إضافيين عبر هذا البرنامج، دون الإشارة بشكل واضح إلى مدة التعليق أو تفاصيله الكاملة.
وتأتي هذه الخطوة وسط مفاوضات تشكيل الائتلاف الحاكم الجارية بين التحالف المسيحي المحافظ والحزب الاشتراكي الديمقراطي، حيث أكدت وزارة الداخلية والمفوضية السامية للأمم المتحدة أنه لن يتم تقديم أي تعهدات بشأن قبول لاجئين جدد من خلال برنامج إعادة التوطين في الوقت الحالي. وقد رفضت وزارة الخارجية الألمانية التعليق رسميًا على هذا الإجراء.
كشفت وكالة “رويترز” عن وثيقة تؤكد توصّل أطراف الائتلاف الحكومي، خلال محادثات ما تزال جارية، إلى اتفاق مبدئي يقضي بإنهاء برامج القبول الاتحادية الطوعية للاجئين “كلما أمكن”، وعدم إطلاق أي برامج جديدة مستقبلاً. هذا التحول في السياسة الألمانية يعكس ضغوطًا داخلية متزايدة بشأن قضايا الهجرة واللجوء.
برنامج إعادة التوطين المجمد
قبل اتخاذ القرار بالتجميد، كانت ألمانيا تخطط لتخصيص ما يصل إلى 6560 مكانًا خلال العام الجاري ضمن برنامج إعادة التوطين التابع للاتحاد الأوروبي. هذا البرنامج يستهدف لاجئين من جنسيات مختلفة، إضافة إلى عديمي الجنسية، القادمين من دول مثل مصر والأردن ولبنان وكينيا وباكستان وليبيا، وفقًا لبيانات وزارة الداخلية الألمانية.
يعتبر برنامج إعادة التوطين آلية مهمة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث يوفر حماية للأشخاص الأكثر ضعفًا ممن لا يمكنهم العودة إلى بلدانهم الأصلية ويواجهون صعوبات في الاندماج في البلدان المجاورة التي لجأوا إليها أولاً. وقد كانت ألمانيا من أكبر الدول المشاركة في هذا البرنامج على مستوى الاتحاد الأوروبي.
السياق السياسي الداخلي والتحولات في سياسة اللجوء
تعد الهجرة قضية خلافية منذ وقت طويل في ألمانيا، خاصة خلال مفاوضات الحكومة الائتلافية بين تكتل الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي من جهة والحزب الديمقراطي الاجتماعي من جهة أخرى. وقد دفع تصاعد التأييد لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، وتكرار حوادث عنف مرتبطة بلاجئين، المحافظين إلى المطالبة بتشديد السياسات تجاه طالبي اللجوء.
هذا ليس أول إجراء تقييدي تتخذه ألمانيا في مجال اللجوء، ففي ديسمبر 2024، أعلنت ألمانيا تعليق البتّ في طلبات اللجوء للسوريين في ظل “عدم وضوح الوضع” في بلادهم بعد سقوط نظام بشار الأسد. كما تم تعليق استقبال طالبي اللجوء لأسباب إنسانية في سنوات سابقة.
تراجع عدد طلبات اللجوء في ألمانيا
أظهر تقرير جديد للمفوضية الأوروبية أن ألمانيا لم تعد الدولة الأكثر استقبالاً لطالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي، حيث تراجعت إلى المرتبة الثالثة بعد فرنسا وإسبانيا، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات.
وفقاً للتقرير، فقد انخفض عدد طلبات اللجوء في ألمانيا خلال الربع الأول من عام 2025 بنسبة 41 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مسجلاً نحو 37 ألف طلب، مقابل أكثر من 40 ألف طلب في فرنسا، وقرابة 39 ألفاً في إسبانيا. ورغم هذا التراجع، ما تزال ألمانيا الوجهة الأساسية لطالبي اللجوء السوريين، حيث قدّموا أكثر من نصف طلباتهم داخلها، وشكلوا ربع إجمالي طلبات اللجوء المقدمة هناك.
إحصائيات اللاجئين في ألمانيا
تُعد ألمانيا ثالث أكبر دولة مستضيفة للاجئين عالميًا، والأولى على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث تستضيف حوالي 2.5 مليون لاجئ من مختلف أنحاء العالم. وتشكل الجالية السورية النسبة الأكبر منهم، إذ تستضيف ألمانيا ما يقارب مليون شخص من أصول سورية، معظمهم وصل خلال عامي 2015 و2016 عندما فتحت المستشارة السابقة أنغيلا ميركل الباب أمام أكثر من مليون طالب لجوء.
من بين اللاجئين السوريين في ألمانيا، تم منح 5090 شخصًا حق اللجوء الكامل، فيما حصل 321,444 آخرون على وضع لاجئ، بينما وُضع 329,242 تحت الحماية الفرعية التي تمنع ترحيلهم بسبب المخاطر المحتملة في سوريا. ولا تزال عشرات الآلاف من الملفات قيد المعالجة.
الآثار المحتملة للقرار على اللاجئين وردود الفعل
يثير قرار تعليق برنامج إعادة التوطين قلقاً متزايداً لدى المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان، نظراً لأنه يؤثر مباشرة على الفئات الأكثر ضعفاً من اللاجئين الذين يواجهون مخاطر أمنية أو صحية في مناطق لجوئهم الأولى. هؤلاء غالباً ما يكونون من النساء المعرضات للخطر أو الأطفال غير المصحوبين بذويهم أو ضحايا التعذيب أو الأشخاص ذوي الاحتياجات الطبية العاجلة.
تعكس هذه الخطوة تحولاً في السياسة الأوروبية عموماً، وليس فقط الألمانية، نحو تقييد الهجرة واللجوء. ومع ضغوط سياسية داخلية متزايدة، خاصة مع صعود الأحزاب اليمينية، يبدو أن الحكومات الأوروبية تتجه نحو سياسات أكثر تشدداً في هذا المجال.
التوقعات المستقبلية
يأتي قرار التعليق المؤقت في وقت حساس من المفاوضات السياسية في ألمانيا، ويمكن أن يشير إلى تحول أكبر في سياسة البلاد تجاه اللاجئين والمهاجرين. لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا التعليق سيتحول إلى إجراء دائم أو سيتم رفعه بعد انتهاء المفاوضات الائتلافية.
مع تراجع أعداد طلبات اللجوء في ألمانيا وتنامي التحديات الاقتصادية والاجتماعية، قد تستمر الضغوط السياسية لتبني سياسات أكثر تشدداً. في المقابل، تواصل المنظمات الإنسانية الدعوة إلى الالتزام بالمسؤولية الدولية تجاه اللاجئين، خاصة في ظل استمرار الصراعات والأزمات الإنسانية في مناطق مختلفة من العالم.