أثار اعتقال مجموعة من النشطاء الدروز من محافظة السويداء جنوب سوريا غضبا واسعا في المحافظة، مما أدى إلى تصاعد التوتر بين المكون الدرزي والإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع.
وكشفت الواقعة عن عمق الأزمة بين الطرفين وسط مخاوف من تداعياتها على استقرار المنطقة الجنوبية، في وقت تسعى فيه الحكومة السورية الجديدة لبسط نفوذها على كامل الأراضي السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد.
تفاصيل واقعة الاعتقال والإهانات الطائفية
اعتقلت عناصر الأمن العام في محافظة حمص 21 ناشطا، معظمهم من محافظة السويداء، يوم السبت 5 أبريل 2025، أثناء توجههم إلى محافظة الرقة لحضور فعالية تشرف عليها الإدارة الذاتية. وجرى الاعتقال على حاجز في مدينة الرستن شمالي محافظة حمص، حيث تم اقتيادهم إلى معتقل في بلدة حارم شمال محافظة إدلب.
وكشفت مصادر سورية لـ المنشر الاخباري أن المعتقلين كانوا قد شاركوا في مؤتمر أو منتدى “تماسك” في العاصمة دمشق، وتم اعتقالهم أثناء توجههم إلى الرقة للمشاركة في نشاط آخر، دون معرفة التهم الموجهة إليهم.
وفي تفاصيل صادمة، أفادت المصادر أن النشطاء المعتقلين تعرضوا للتعذيب، بمن فيهم النساء، كما تعرضوا لإهانات لفظية وطائفية، وقد ظهر ذلك في فيديوهات وصور المعتقلين بعد الإفراج عنهم توثق الاعتداءات التي طالتهم.
وضعت قوات الأمن العام أكياسا على رؤوسنا، وبدأت بالضرب المبرح دون تفريق بين النساء والرجال، بالإضافة لنعتنا بألقاب ومسميات طائفية، لا تختلف بشيء عما كنا نسمعه من عناصر النظام البائد” – إحدى الناشطات المفرج عنهن.
وأصدر حزب اللواء السوري بيانا حادا عبر فيه عن استنكاره الشديد للانتهاكات الطائفية التي ارتكبها الأمن العام التابع لحكومة أحمد الشرع، التي شملت اعتقال عدد من أبناء السويداء خلال مرورهم بمدينة حمص.
وأكد حزب اللواء السوري أن هذه الاعتقالات ليست فقط انتهاكا لحقوق الإنسان، بل تعتبر جريمة طائفية تهدف إلى إشعال الفتنة بين أبناء الطائفة الدرزية وبقية المكونات السورية.
وفقا للبيان الصادر عن حزب اللواء السوري، فإن الاعتقال الذي تعرض له عدد من المدنيين العزل من أبناء السويداء في حمص تخللته عبارات تهديد طائفية وحملات ضرب وتعذيب مبرح.
وقد شملت هذه الاعتقالات أفرادا من الطائفة الدرزية فقط، وتم استخدام عبارات تهديد شديدة تتعلق بالذبح والقتل والانتقام من الطائفة في حال استمرار معارضتها للسلطة الحالية. هذه الاعتقالات والتهديدات تأتي في وقت حساس، حيث يرفض غالبية أبناء السويداء التعاون مع الحكومة الحالية نتيجة ممارساتها القمعية بحق المدنيين.
وقد أشار البيان إلى أن أهالي جبل العرب (السويداء) قد ثبتوا صحة موقفهم الرافض لتسليم السلاح للنظام الحالي، مؤكدين أنهم لا يرغبون في التعاون مع حكومة تواجه أبناء السويداء بالتهديدات الطائفية. وأكد البيان أن أي فرد من أبناء السويداء يقبل التعاون مع حكومة تشن حملة تهديدات طائفية ضدهم، يعتبر شريكا في الجريمة.
وساطات وتدخلات رسمية لاحتواء الأزمة
استمرت الوساطات التي قام بها محافظ السويداء ووجهاء من المحافظة حتى الساعة السادسة من صباح يوم الأحد 6 أبريل 2025، والتي أدت إلى إطلاق سراح المعتقلين وعودتهم مساء إلى المحافظة.
وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع، استقبل محافظ السويداء مصطفى بكور يوم الاثنين 7 أبريل 2025، عددا من النشطاء المفرج عنهم، واستمع منهم إلى تفاصيل ما حصل من لحظة اعتقالهم وحتى الإفراج عنهم.
وظهر رجا الدمقسي، مؤسس حزب الانتماء القومي الديمقراطي، في فيديو مصور نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تحدث فيه عن أسباب الزيارة ودوافع الاعتقال، مستعرضا آثار الضرب والتعذيب على جسده، واصفا التعامل الذي تعرض له النشطاء بـ”الوحشي المبني على حقد طائفي من جماعة متشددة دينيا تدعي أنها تحافظ على الأمن العام، وتستلم أهم الحواجز الأمنية في حمص.

علاقة متوترة بين الدروز وحكومة الشرع
تأتي هذه الحادثة في سياق علاقة متوترة بين الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع والقوى الفاعلة في محافظة السويداء، معقل الطائفة الدرزية، والتي اتسمت بحالة من الشد والجذب والتصعيد المتبادل منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.
وكان التصعيد قد بلغ ذروته في مطلع مارس الماضي بمنع الفصائل العسكرية “الدرزية” قوات الأمن العام التابعة لحكومة دمشق من دخول مدينة السويداء، ومنطقة جرمانا جنوب شرقي العاصمة، للقبض على “قتلة” أحد عناصر الأمن العام.
وتشهد السويداء بين الحين والآخر احتجاجات رافضة لسلطة أحمد الشرع، في حين تحاول الحكومة الجديدة كسب ود الدروز. فقد صرح مصدر في حكومة الشرع لصحيفة الشرق الأوسط بأن “الأوضاع في السويداء تسير بشكل إيجابي، وإن هناك تقدما في أكثر من جانب”، وإن أبناء السويداء “هم جزء لا يتجزأ من سوريا”.
لكن يبدو أن هناك انقساما في موقف الدروز من الإدارة الجديدة، إذ يرفض الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في سوريا الشيخ حكمت الهجري الاعتراف بإدارة الرئيس أحمد الشرع، بينما يميل فريق آخر في السويداء إلى الانفتاح عليها والتعاون معها.

مخاوف من الاستهداف الطائفي والتهميش
زادت حادثة اعتقال النشطاء الدروز من مخاوف أبناء الطائفة من وجود استهداف منهجي لهم، خاصة في ضوء تكرار حوادث اعتقال مواطنين دروز في الأشهر الأخيرة. ففي 14 مارس الماضي، اعتقلت عناصر الأمن العام 4 شبان دروز عند إحدى نقاط التفتيش في شارع “غسان حرفوش” بمدينة اللاذقية، ثم نقلتهم إلى مكان غير معلوم.
وتثير هذه الحوادث المتكررة مخاوف جدية حول حرية التعبير والتنقل للأقليات الدينية في المناطق السورية المختلفة خلال الفترة الراهنة، ويعكس تكرارها نمطا مقلقا في التعامل مع المواطنين الدروز، مما يزيد من حالة عدم الثقة والتوتر بين مكونات المجتمع السوري.