الجزائر ترد بحزم على واشنطن: دعم مخطط الحكم الذاتي المغربي انحراف خطير عن مبادئ الشرعية الدولية
أعربت الجزائر عن أسفها العميق لتجديد دعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، معتبرةً ذلك انحرافاً خطيراً عن مبادئ الشرعية الدولية وتناقضاً مع واجب الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. يأتي هذا الموقف الجزائري بعد تصريحات جديدة لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو جدد فيها اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، معتبراً مقترح الحكم الذاتي المغربي “الحل الوحيد الممكن” للنزاع المستمر منذ عقود.
الموقف الجزائري: رفض قاطع لتجاوز الشرعية الدولية
أكدت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية في بيان رسمي أنها “أخذت علماً بتأكيد كتابة الدولة الأمريكية على موقفها القائم على اعتبار مخطط الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، الحل الوحيد الممكن لنزاع الصحراء الغربية”. وشددت الجزائر على أن هذا الموقف الصادر عن عضو دائم في مجلس الأمن الدولي يشكل تناقضاً صارخاً مع واجب الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، لاسيما في قضية تعتبر واحدة من أقدم قضايا تصفية الاستعمار في العالم.
وتؤكد الجزائر في بيانها أن قضية الصحراء الغربية تظل قضية تصفية استعمار لم يُستكمل، وأنها تتعلق أساساً بحق غير قابل للتصرف لشعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره وفق ما تنص عليه الشرعية الدولية. وبحسب البيان الرسمي الجزائري، فإن الواقع يؤكد أن الصحراء الغربية لا تزال إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي بالمعنى الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، وأن شعبها لا يزال مؤهلاً لممارسة حقه في تقرير المصير على النحو المنصوص عليه في قرار الجمعية العامة 1514 بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.
وأشارت وزارة الخارجية الجزائرية إلى أن “أي حياد عن هذا الإطار لا يخدم بالتأكيد قضية تسوية هذا النزاع، مثلما أنه لا يغير البتة من الحقائق الأساسية اللصيقة به والتي أقرتها وثبتتها الأمم المتحدة عبر جميع هيئاتها الرئيسية، بما في ذلك الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية”.
الموقف الأمريكي: تجديد الدعم للمقترح المغربي
في المقابل، جدّدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعمها الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية. فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال لقاء جمعه بنظيره المغربي ناصر بوريطة أن واشنطن تدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء.
وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، أن روبيو أعاد خلال لقائه بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في واشنطن، التأكيد على موقف بلاده الثابت، مشيرة إلى أن المقترح المغربي يعد “جادا وموثوقا وواقعيا”.
واعتبر روبيو أن مقترح الحكم الذاتي المغربي “مقترح جاد وواقعي”، معتبراً أنه “يشكل الإطار الوحيد الكفيل بالتوصل إلى حل عادل ودائم لهذا النزاع الإقليمي”. وجاء في البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية أن “الوزير أكد مجدداً اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، ودعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي”.
وأكد الوزير الأمريكي أن الرئيس ترامب “يحث الطرفين (المغرب وجبهة البوليساريو) على الانخراط في مناقشات دون تأخير، باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين”. وأشار روبيو إلى أن الولايات المتحدة ستسهل التقدم نحو هذا الهدف.
خلفية تاريخية عن الموقف الأمريكي
يأتي هذا الموقف امتداداً للاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الأولى عام 2020، في خطوة تزامنت مع إعلان الرباط تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ما شكل حينها تحولا دبلوماسيا بارزا لصالح كل من المغرب والولايات المتحدة.
ويذكر أنه خلال اتصال هاتفي بين الملك محمد السادس ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية في دجنبر 2020، كان دونالد ترامب قد أبلغ الملك بأنه أصدر مرسوما رئاسيا، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية.
جذور النزاع ومواقف الأطراف المعنية
تصنف الأمم المتحدة الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة، ضمن “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”. وقد فرض المغرب سيطرته على نحو 80 بالمئة من أراضيها، ويقترح منحها حكماً ذاتياً تحت سيادته.
في المقابل، تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر باستقلال الإقليم، متمسكة بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، استنادا إلى اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991. وفي هذا السياق، جدد مجلس الأمن الدولي في تشرين الأول/أكتوبر 2024 دعوته إلى المغرب وبوليساريو والجزائر وموريتانيا لاستئناف المفاوضات، بهدف التوصل إلى حل “دائم ومقبول من الطرفين”.
لكن المغرب يشترط حصر النقاش في إطار مقترح الحكم الذاتي، بينما ترفض بوليساريو هذا الطرح، وتتمسك بخيار الاستفتاء.
مواقف دولية مشابهة: حالة فرنسا
يجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تعبر فيها الجزائر عن استيائها من مواقف القوى الدولية الداعمة للمغرب في قضية الصحراء. ففي يوليو/تموز 2024، استنكرت الجزائر “بشدة” موقف الحكومة الفرنسية التي أبلغتها “في الأيام الأخيرة” قرارها دعم خطة “الحكم الذاتي” التي اقترحها المغرب تحت سيادته للنزاع في الصحراء الغربية.
وقالت الجزائر إنها “أخذت علماً، بأسف كبير، واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي، الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء”، في إطار السيادة المغربية.
وأفادت وزارة الخارجية الجزائرية بأنه “تم إبلاغ السلطات الجزائرية بفحوى هذا القرار، من قبل نظيرتها الفرنسية في الأيام الأخيرة”. وشددت على أنه “من الواضح أن القرار الفرنسي هو نتيجة حسابات سياسية مشبوهة، وافتراضات غير أخلاقية، وقراءات قانونية لا تستند إلى أي مرتكزات سليمة تدعمها أو تبررها”.
واعتبرت الجزائر أن القرار الفرنسي لا يساعد على توفير الظروف الكفيلة بتسوية سلمية لقضية الصحراء، “بل أكثر من ذلك يساهم بصفة مباشرة في تفاقم حالة الانسداد والجمود، التي تسببت في إحداثها على وجه التحديد خطة الحكم الذاتي المغربية لأكثر من سبعة عشر عاماً”.
تداعيات محتملة على العلاقات الإقليمية
يأتي هذا التوتر الدبلوماسي في وقت تشهد فيه منطقة المغرب العربي توترات متزايدة بين الجزائر والمغرب. وقد أظهرت نتائج البحث أن الجزائر تتخذ مواقف حازمة تجاه الدول التي تدعم المغرب في مسألة الصحراء الغربية.
فعلى سبيل المثال، بعد إعلان فرنسا دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي، قررت الجزائر سحب سفيرها لدى فرنسا بأثر فوري. وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية، أن قائماً بالأعمال سيتولى مسؤولية التمثيل الدبلوماسي الجزائري في فرنسا من الآن فصاعداً.