مراد ويسي
علي خامنئي، الذي سبق أن وصف المفاوضات مع ترامب بأنها “غير شريفة” و”غير معقولة”، تراجع عن موقفه ووافق على إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة. وقال ترامب إن هذه المفاوضات المباشرة جارية حاليا ومن المقرر أن تستمر.
ويأتي هذا التطور في الوقت الذي رفض فيه خامنئي بشدة، قبل شهرين فقط، أي مفاوضات مباشرة مع إدارة ترامب. والآن يعتبر هذا التحول الظاهري في مواقف قائد الجمهورية الإسلامية تراجعاً مهيناً.
وكان وصول حاملة طائرات أمريكية ثانية، ونشر قاذفات بي-2 وبي-52 في المنطقة، ونقل أنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت من كوريا الجنوبية إلى إسرائيل، مؤشرات على استعداد الجيش الأمريكي لمواجهة عدوانية.
وقد أدى هذا التغيير في التوجه العسكري، كما أكد ترامب، إلى فرض ضغوط جدية على إيران للموافقة على المحادثات المباشرة. وقد أثمرت دبلوماسية الزوارق الحربية عن نتائج إيجابية بعد وصول حاملة طائرات أمريكية ثانية إلى المنطقة، ووافق خامنئي على التفاوض.
قبل شهرين، وصف خامنئي المفاوضات مع ترامب بأنها ليست حكيمة ولا شريفة ولا ذكية، لكن الضغوط المتزايدة، بما في ذلك التهديد بالحرب والضغط الاقتصادي الأقصى، دفعت الجمهورية الإسلامية إلى تغيير استراتيجيتها.
في البداية كان هناك حديث عن مفاوضات غير مباشرة، لكن الآن أصبح واضحا أن المحادثات المباشرة جارية. وحتى صباح يوم الاثنين، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عن الاستعداد للمفاوضات غير المباشرة، واصفا إياها بأنها قرار “سخي” و”حكيم”.
ويمكن مقارنة هذا التغيير في نهج خامنئي بقصة رواها الإمام محمد الغزالي؛ فقيه كان يتكلم ضد المذهب الإسماعيلي دائماً، إلى أن طعنه أحد أتباع هذا المذهب بخنجر على فراشه في إحدى الليالي. وبعد ذلك سكت الغزالي ولم يقدم عليهم أي حجج أخرى، وقال: “لقد رأيت الدليل القاطع”. واليوم رأى خامنئي الدليل القاطع ضد “دبلوماسية الزوارق الحربية” الأمريكية فتراجع.
لقد أدرك خامنئي، الذي كان يعتبر حتى ما قبل شهرين التفاوض مع ترامب علامة على الحماقة والعار، أنه لم يعد يستطيع الهروب من الضغوط باستخدام أساليب الماضي بعد أن مارست الولايات المتحدة أقصى قدر من الضغط لقطع صادرات النفط الإيرانية بالكامل، وخاصة التحذيرات لشركاء إيران التجاريين بوقف التبادلات الاقتصادية.
ومن خلال إرسال قاذفات استراتيجية إلى المنطقة وتنفيذ هجمات عنيفة على الحوثيين في اليمن، أحد حلفاء إيران الإقليميين، أرسل ترامب رسالة واضحة إلى طهران: لقد انتهت فترة التهدئة.
ويأتي هذا التغيير في الموقف نتيجة مباشرة للاختلاف بين استراتيجية ترامب ونهج الاسترضاء الذي تنتهجه إدارة بايدن. وفي عهد بايدن، أصبح خامنئي أكثر جرأة، حيث أكد الرئيس الأمريكي مراراً وتكراراً أنه لا ينوي الدخول في حرب مع الجمهورية الإسلامية. وأدى ذلك إلى هجمات متكررة من قبل قوات الحشد الشعبي على القواعد الأمريكية، دون أي رد فعل جدي من إدارة بايدن.
لكن دخول ترامب إلى البيت الأبيض غيّر الوضع. وعلى النقيض من بايدن، طالب ترامب، في حين يطبق في الوقت نفسه ضغوطا عسكرية، بوقف كامل للبرنامج النووي، وإغلاق برنامج الصواريخ، وإنهاء دعم طهران للجماعات بالوكالة مثل حزب الله، وحماس، والحوثيين، والميليشيات العراقية.
وتمثل هذه المطالب صعبة للغاية بالنسبة لخامنئي، حيث أعلن حتى الآن أن المفاوضات بشأن القدرات الصاروخية مستحيلة، واعتبر الوجود الإقليمي جزءاً من سياسة الدفاع للنظام.
لقد دخل خامنئي الآن مرحلة قبل فيها المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن مطالب الجانب الآخر لا تهدف إلى الحد من البرامج الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية، بل إلى إغلاقها بالكامل. ومن وجهة نظر ترامب، فإن هذا النوع من المفاوضات ليس اتفاقا محدودا مثل الاتفاق النووي، بل هو شكل من أشكال الاستسلام والإملاء من موقع.
وكان ترامب قد صرح في وقت سابق مرارا وتكرارا بأن الاتفاق النووي السابق كان عديم الفائدة لأنه سمح للجمهورية الإسلامية بمواصلة دعمها الإقليمي من خلال الاستفادة من الأصول التي أطلقتها إدارة أوباما. والآن، مع عودة ترامب ونهجه المتشدد، تواجه الجمهورية الإسلامية خيارا صعبا: إما الاستسلام الكامل أو مواجهة الخيار العسكري.
وفي نهاية المطاف، ورغم إصرار خامنئي ظاهريا على الحفاظ على كرامة النظام، فإن واقع المشهد، كما أظهر ترامب، يشير إلى تراجع خطير ومهين من جانب خامنئي. ولعل هذا التحول هو التطور الدبلوماسي الأهم للجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة.
خامنئي أراد أن تكون المحادثات سرية، لكن ترامب جعلها علنية. وأظهر خامنئي أنه بدلاً من الاستماع إلى مطالب شعبه وحتى بدلاً من الاستماع إلى طلب أطباء الرئيس للمفاوضات؛ إنها تتغير استراتيجيتها عندما يتعلق الأمر بالضغط والقوة من قبل زعيم أجنبي.
ایران اینترنشنال










