قصة “ذئاب الصحراء”: الجنود الكولومبيون في السودان
في قلب الصراع الدامي في السودان، جلبت الإمارات العربية المتحدة أعداداً من الجنود الكولومبيين المتقاعدين للعمل كمرتزقة في صفوف قوات الدعم السريع، الميليشيا شبه العسكرية المتورطة في ارتكاب فظائع وحشية ضد المدنيين. هؤلاء الجنود، الذين تم إغراؤهم بوعود براقة بالعمل في حماية منشآت النفط، اكتشفوا سريعاً أنهم تورطوا في حرب أهلية شرسة تسببت في مقتل العديد من الأبرياء. هذه هي قصة “ذئاب الصحراء”، كتيبة من المرتزقة الكولومبيين الذين تم إرسالهم إلى السودان، ليجدوا أنفسهم في مواجهة واقع مرير.
في عام 2024، جلبت شبكة عابرة للحدود يقودها العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كيخانو، بالتعاون مع شركة “غلوبال سيكيوريتي سيرفيس” الإماراتية، حوالي 300 جندي كولومبي متقاعد إلى السودان. تم وعد الجنود الكولومبيين بفرص عمل مميزة، حيث سيتم تكليفهم بحماية منشآت النفط في السودان مقابل أجر شهري مغرٍ يصل إلى 2600 دولار أمريكي. ومع ذلك، لم يكن هؤلاء الجنود يدركون أن هذه الوعود ما هي إلا خديعة، وأنهم سينتهي بهم الأمر في خضم واحدة من أعنف الحروب الأهلية في العالم.
أحد الجنود الكولومبيين، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، يروي تجربته قائلاً: “جئنا هنا لنجني المال ونعيش بسلام، لكننا اكتشفنا أن كل شيء كان كذبة. وجدنا أنفسنا في قلب معركة لا علاقة لنا بها.”
وصل الجنود الكولومبيون إلى السودان في أواخر عام 2024، ليكتشفوا أن مهمتهم الأمنية التي وعدوا بها كانت مجرد وهم. بدلاً من حماية منشآت النفط، تم تكليفهم بالمشاركة في قتال قوات المتمردين في دارفور، إحدى أخطر مناطق النزاع في السودان. معركة الفاشر في شمال دارفور كانت أكثر معاركهم دموية، حيث تعرضوا لهجمات مستمرة واستخدمت فيها الطائرات المسيرة بشكل مكثف.
أحد الجنود الكولومبيين، الذي عرف نفسه باسم “هيكتور”، يصف الوضع قائلاً: “القتال كان مرعبًا، والشوارع مليئة بالجثث، والأرض تهتز بسبب الانفجارات. كانت الهجمات بالطائرات المسيرة شديدة، وكان علينا الاختباء في الخنادق دون معرفة إذا كنا سننجو أو لا.”
تظهر التحقيقات والوثائق المسربة أن عملية تجنيد الجنود الكولومبيين كانت مدعومة من قبل الإمارات العربية المتحدة، التي لعبت دوراً مهماً في توفير الدعم اللوجستي والمالي لعمليات تجنيد المرتزقة. وفقاً للمصادر، تم إرسال العديد من الجنود الكولومبيين عبر قاعدة إماراتية في بوساسو بالصومال، حيث تم تجميعهم قبل إرسالهم إلى السودان. هذا يوضح العلاقة الوثيقة بين الإمارات وقوات الدعم السريع، التي تحصل على دعم عسكري من عدة أطراف، بما في ذلك الإمارات.
في كولومبيا، بدأت عائلات الجنود المتقاعدين والشعب الكولومبي يعبّرون عن أسفهم الكبير للمشاركة في هذا الصراع. كانت المفاجأة كبيرة عندما اكتشفوا أن أبنائهم قد تم إرسالهم إلى السودان للمشاركة في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. يشير العديد من المواطنين الكولومبيين إلى أن هؤلاء الجنود تم استغلالهم في نزاع خارجي بعيد عن وطنهم.
مع تزايد عدد المرتزقة الكولومبيين الذين يذهبون إلى مناطق النزاع مثل السودان وأوكرانيا، دعا الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو إلى حظر ارتزاق المواطنين الكولومبيين في الصراعات الدولية. وطالب بعودة الجنود المتقاعدين إلى وطنهم، محذرًا من أن هذه الحروب قد تؤدي إلى فقدان المزيد من الأرواح في نزاعات لا مصلحة لهم فيها.
مع استمرار الصراع في السودان وارتفاع عدد المرتزقة الكولومبيين الذين ينضمون إلى قوات الدعم السريع، تبقى الأسئلة مفتوحة حول قدرة المجتمع الدولي على كبح هذا التدفق المتزايد من الجنود المرتزقة. ويبدو أن الإمارات، التي تتمتع بنفوذ كبير في المنطقة، تسهم بشكل كبير في تعزيز هذه العمليات العسكرية، ما يطرح تساؤلات حول دورها في صراع السودان وتأثير ذلك على الاستقرار الإقليمي والدولي.
إذا استمرت هذه العمليات، فإن النزاع قد يجر دولًا أخرى إلى حرب لا تنتهي، ويؤدي إلى تزايد أعداد الضحايا وتدمير المزيد من الأرواح. ما يبقى سؤالًا معلقًا هو: هل ستنجح الجهود الدولية في إيقاف هذه العمليات التي تساهم في تعميق الصراعات وتوسيع نطاق الحروب في مناطق جديدة؟










