زيارة سرية لمبعوث البرهان إلى تل أبيب: مساعي لتفعيل التطبيع وتحسين العلاقات الإقليمية
كشفت تقارير إعلامية سودانية وإسرائيلية أن الفريق الصادق إسماعيل، المبعوث الشخصي لرئيس المجلس العسكري السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قام بزيارة سرية إلى تل أبيب الأسبوع الماضي. تمحورت الزيارة حول جهود تفعيل ملف التطبيع مع إسرائيل، والتنسيق لتحسين صورة البرهان لدى الإدارة الأمريكية الجديدة، وتهدئة التوتر مع الإمارات. التقى المبعوث السوداني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونقل له تعهد البرهان بإكمال خطوات التطبيع والالتزام بأي شروط تضعها إسرائيل لإتمام الاتفاق في أقرب وقت ممكن.
تفاصيل الزيارة والمبعوث
كشف مصدر عسكري داخل الجيش السوداني أن الفريق الصادق إسماعيل، المدير السابق لمكتب القائد العام للجيش السوداني، والذي عينه الفريق أول عبد الفتاح البرهان مبعوثاً شخصياً له بعد ترقيته لرتبة الفريق، زار إسرائيل سراً في الأسبوع الماضي. أحيطت الزيارة بسرية تامة حتى انتهائها، وفق ما أفادت به صحيفة “الراكوبة” السودانية التي كانت أول من كشف عن هذه الزيارة.
وعلى الرغم من حساسية الزيارة، فقد أكدتها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العبرية، حيث نشرت تقريراً يطابق المعلومات التي كشفتها الصحيفة السودانية. كما نقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية تفاصيل الزيارة، مما يعكس مستوى المصداقية الذي باتت تحظى به وسائل الإعلام السودانية كمصدر للمعلومات حول الشؤون السياسية السودانية.
ويأتي توقيت هذه الزيارة في ظروف بالغة التعقيد يعيشها السودان، حيث تستمر الحرب الأهلية منذ أبريل 2023 بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
دوافع الزيارة وأهدافها
تمحورت أهداف الزيارة في ثلاثة محاور رئيسية، وفق ما كشفت عنه المصادر المطلعة. أولها، التنسيق مع إسرائيل لتسويق البرهان لدى الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب. وثانيها، العمل على تهدئة التوتر بين حكومة الإمارات والجيش السوداني. أما المحور الثالث والأهم، فهو تفعيل ملف التطبيع بين السودان وإسرائيل والترتيب للتوقيع النهائي على “اتفاقات أبراهام”.
وبحسب التقارير الصحفية، كُلف مبعوث البرهان بإيصال عدة رسائل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أهمها رغبة البرهان في إكمال خطوات التطبيع بين البلدين مقابل نيل الدعم الإسرائيلي للسودان في المرحلة المقبلة. وقد تعهد البرهان، عبر مبعوثه، بإكمال أي التزامات أو شروط تضعها تل أبيب في سبيل إتمام الاتفاق في أقرب وقت ممكن.
قضية العلاقات مع إيران والدعم العسكري
أحد الملفات المهمة التي ناقشها المبعوث السوداني في تل أبيب كان تفسير سبب التقارب السوداني الأخير مع إيران، وهو الأمر الذي أثار استياء إسرائيل. وأوضح المبعوث أن التقارب مع إيران فرضته الضرورة على قائد الجيش السوداني في ظل العزلة والضغوط الإقليمية والدولية التي واجهت السودان منذ اندلاع الحرب، والحاجة الماسة للدعم العسكري النوعي من أي جهة لتحقيق النصر في هذه الحرب.
ونقلت الصحيفة السودانية عن مصدر مقرب من قائد الجيش السوداني قوله إن “البرهان أوصل رسالته إلى إسرائيل حول شعوره بعدم التعاون في ظرف الحرب الدائرة منذ عامين، وأنه كان يتعشم في الحصول على أسلحة تمكنه من التغلب على قوات الدعم السريع منذ بدايات الحرب”.
وأضاف المصدر أنه “لا يوجد مبرر لإسرائيل في شعورها بالغضب من التوجه نحو إيران، حيث إنه فعل ذلك بسبب عدم تلقيه المساعدات العسكرية المرجوة من إسرائيل، التي بدأ معها اتفاقاً للتعاون قبل 5 سنوات”. كما أكد البرهان لإسرائيل أنه كان يأمل في الحصول على هذه المساعدة في توقيت مهم للغاية، كان من شأنه أن يسهم في “تحقيق انفراجة حقيقية في العلاقات بين البلدين ويبدل من رأي كثير من السودانيين تجاه إسرائيل”.
السياق السياسي والتاريخي للعلاقات
تأتي هذه الزيارة في سياق مسار التطبيع بين السودان وإسرائيل الذي بدأ عام 2020، عندما أصبح السودان جزءاً من عملية “اتفاقيات إبراهام” للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية. وكان السودان الخامس بين الدول العربية بعد مصر والأردن والإمارات والبحرين التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل.
ومن المهم الإشارة إلى أن المجلس العسكري السوداني بقيادة البرهان تولى سدة الحكم عقب الانقلاب على نظام عمر البشير في أبريل 2019، وسار في طريق التطبيع مع إسرائيل بعد ذلك بعام واحد تقريباً. وقد شهدت الفترة الأخيرة توتراً في العلاقات بين البرهان وحكومة أبوظبي، وهو ما سعت الزيارة إلى معالجته عبر الوساطة الإسرائيلية.
تداعيات الزيارة وآفاق العلاقات المستقبلية
تعكس زيارة مبعوث البرهان إلى تل أبيب رغبة السلطات العسكرية في السودان بتحسين وضعها الإقليمي والدولي، خاصة مع الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، والذي تربطه علاقة وثيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وتراهن الخرطوم على أن إكمال عملية التطبيع مع إسرائيل قد يفتح لها آفاقاً جديدة على صعيد العلاقات مع واشنطن، وربما يسهم في تخفيف العزلة الدولية المفروضة عليها.
من جانب آخر، يبدو أن الزيارة تسعى لإصلاح العلاقة مع الإمارات، والتي شهدت توتراً في الآونة الأخيرة. ويعتقد المجلس العسكري السوداني أن إسرائيل يمكنها لعب دور الوسيط في تهدئة التوتر مع أبوظبي، نظراً للعلاقات القوية التي تربط إسرائيل بالإمارات منذ توقيع اتفاقيات أبراهام.