بقلم أحمد عز الدين
هذا بيان بالغ الأهمية ، بالغ الخطورة ، ليس لأنه يحمل توقيع الجنرال كوريلا ، أو القيادة العسكرية المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط ، أو توقيع الجيش الأمريكي ، ولكن لأنه يحمل بصمات بعضها واضح وبعضها مطمور في بنيته ، فيما يتعلق بتوجه الإستراتيجية الأمريكية في المرحلة القادمة ، فوق أنه يعكس توصيفا دقيقا لدور حلفاء الولايات المتحدة في الإقليم وأوزان كل منهم ، سياسيا وعسكريا كمفردات تم دمجها في إطار هذه الإستراتيجية ، ومدى ما وصل إليه اندماج الأصول العسكرية لهؤلاء الحلفاء مع الأصول العسكرية الإسرائيلية ، في معركة الأسلحة المشتركة ، وفي المحصلة النهائية فإننا أمام صيغة واضحة لتشكيل بنية حلف عسكري يقوده الجيش الأمريكي ، وتنخرط فيه جيوش إسرائيل وأربع دول عربية ، إضافة إلى مكون عسكري هجين من جماعة الإخوان المسلمين والقاعدة والمرتزقة ، يضع على صدره اسم الجيش اليمني زورا وبهتانا .
أولا : لقد أمضى الجنرال كوريلا خمسة أيام متصلة فيما أطلق عليه ( سلسلة من الاتصالات عالية المستوى ) شملت إسرائيل والأردن وقطر والسعودية والإمارات والمكون العسكري الهجين في اليمن ، من بينها يومان كاملان في إسرائيل وحدها .
ثانيا : أن كافة هذه الاتصالات ضمت من جانب هذه الدول ، رؤساء أركان جيوشها ، ولم يشارك فيها وزراء الدفاع ، بمعنى أن الاتصالات أو المناقشات أو توزيع المهام كانت ذات طبيعة عسكرية خالصة ، لكنها في إسرائيل استثناءا ضمت إلى جانب رئيس الأركان ( أيال زائير ) الطاقم الرئيسي في الجيش الإسرائيلي ، أي هيئة العمليات وقادة الأفرع والمخابرات ، كما أنها في الأردن تحديدا ضمت إلى جانب رئيس الأركان ( يوسف الحنيطي ) قائد سلاح الطيران ( محمد حياصات ) أما في الإمارات فقد اقتصرت على رئيس المخابرات ( طحنون بن زايد ) مما يعني التركيز على قضايا ذات طابع أمني بالدرجة الأولى .
ثالثا : بالنسبة لتوصيف المناقشات التي استمرت يومين في إسرائيل ، استخدم البيان تعبيرا متفردا لم يتكرر في توصيف أي مناقشات أو اتصالات تمت في أي محطة سواها ، وهو تحديدا مناقشة ( قضايا الأمن الإستراتيجي في أنحاء المنطقة ) لكنه استخدم في حالة الأردن تعبير ( الوضع الأمني المتطور في المنطقة ) وفي حالة السعودية ( المخاوف الأمنية المشتركة ) وفي حالة قطر ( قضايا الأمن الإقليمية ) وفي حالة الإمارات ( التحديات الأمنية في المنطقة ) وفي حالة المكون الهجين في اليمن ( العمليات الحالية من أجل استعادة الملاحة في البحر الأحمر ) وهو ما يعني أن المناقشات في إسرائيل كانت إستراتيجية الطابع ، بينما كانت في المحطات العربية أقرب إلى التكتيك في إطار مهام محددة خاصة ، أي أن هناك خريطة عسكرية ذات طابع إستراتيجي تمت مناقشتها والتصديق عليها بين القيادة المركزية الأمريكية وهيئة العمليات في إسرائيل مجتمعة ، ثم تم توزيع مهامها الفرعية والتكتيكية على هذه الجيوش أو المكونات العسكرية والأمنية العربية ، كل حسب دوره الوظيفي فيها ، مع ملاحظة إضافة دور مستجد للقوات الجوية القطرية .
رابعا : ثمة تعبير متكرر بصيغة موحدة فيما يتعلق بجميع هذه الاتصالات عالية المستوى بين الجيش الأمريكي وهذه الأطراف بما في ذلك إسرائيل هو ( زيادة التشغيل البيني ) أي زيادة الاندماج الوظيفي العسكري .
خامسا : عكس البيان الأوزان النسبية لهذه الأطراف العسكرية العربية بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة على النحو التالي :
- الأردن ( شريك إستراتيجي ثابت وموثوق به )
- قطر ( شريك متمكن ومستعد في المنطقة لأكثر من خمسة عقود )
- السعودية ( التزام متبادل بمعالجة التهديدات الإقليمية)
- الإمارات ( واحدة من شريكين رئيسيين للدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية ) أي نسبيا إسرائيل أخرى إقليميا
سادسا : ما هو الهدف المباشر عسكريا من هذا التحرك المكثف في اللحظة الراهنة ؟
يجيب البيان ( تعزيز الردع من خلال بناء قدرات متكاملة في جميع أنحاء المنطقة ) والسؤال ردع من ؟! المقاومة في غزة ، أو حزب الله في أوضاعهم الراهنة ، أم إيران وقد دخلت في مفاوضات مع الولايات المتحدة ، أم أنصار الله في اليمن وقد هشموا واجهة الردع الأمريكي وما يزالون.
سابعا : لقد تم التسويق علنيا في بيان عسكري أمريكي باسم الجيش الأمريكي لمتغير إستراتيجي كبير ، يرمي بظلاله القاتمة فوق أضلاع المسرح الإستراتيجي الواسع للإقليم ، وفق صيغة واضحة للاندماج العسكري الميداني والعملياتي ، بين القوى الإقليمية المنخرطة فيه ، والتي تضم إلى جانب الجيش الأمريكي والجيش الإسرائيلي ، جيوش الأردن وقطر والسعودية والإمارات ، مع مكون عسكري هجين من الإخوان والقاعدة والمرتزقة في اليمن ، وهو أمر يتقاطع تماما مع الأمن القومي العربي ، ويعني انفراطا كاملا للنظام الإقليمي العربي ، ولذلك لا سبيل إلى غض الطرف عنه أو تجاهله أو اعتباره شأنا ذاتيا خاصا بأصحابه وتابعيه ومُريديه .
ثامنا : لك أن تلاحظ أن الجيش المصري قد أقتطع من جولة كوريلا ، ومن سلسلة اتصالاته عالية المستوى ، أو أنه على نحو أدق قد أقتطع نفسه من كليهما ، وبالتالي من بيان القيادة العسكرية المركزية الأمريكية ،فهو ليس خارج البيان فحسب بل هو خارج مكوناته ، وتشكيله وخرائطه وأهدافه ، مع ذلك فقد حاولت الولايات المتحدة أن ترتق الفجوة بين البيان ومكوناته وأهدافه وبين الجيش المصري بإبرة صدئة كانت اتصالا متزامنا بين وزير الدفاع الأمريكي ووزير الدفاع المصري ، لكنه لم يكن أكثر من معزوفة صماء .
وللحديث بقية