أزمة إنسانية كارثية في شمال دارفور: شبه انعدام للغذاء والدواء يهدد حياة المدنيين
تشهد مناطق الفاشر وزمزم وأم كدادة في ولاية شمال دارفور السودانية تدهورًا إنسانيًا غير مسبوق، مع شبه انعدام تام للغذاء والدواء، وسط تصاعد الأعمال العدائية بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. بحسب تصريحات وزير الصحة بالإقليم، تتحول هذه المناطق إلى ساحات مفتوحة للمجاعة والمرض، مع انهيار شبه كامل للخدمات الصحية وقطع طرق الإمدادات الإنسانية.
حصار ممنهج وانهيار الخدمات الأساسية
أفادت تقارير محلية ودولية بأن قوات الدعم السريع تفرض حصارًا مشددًا على مدينة الفاشر ومعسكر زمزم منذ أكتوبر 2024، مما أدى إلى منع وصول المساعدات الإنسانية إلى أكثر من 800 ألف شخص، بينهم 120 ألف نازح جديد.وبحسب منسقية لجان مقاومة الفاشر، فإن 70% من السكان يعتمدون على المساعدات الخارجية، التي توقفت تمامًا بسبب القيود الأمنية.
في هذا السياق، كشف وزير الصحة بولاية شمال دارفور إبراهيم خاطر عن نفاد المخزون الدوائي في المستشفيات الرئيسية، مع توقف 8 مستشفيات عن العمل بسبب القصف المتكررة. وأضاف أن الكوادر الطبية تضطر إلى العمل في ظروف بدائية، بما في ذلك إجراء العمليات الجراحية داخل حاويات تحت الأرض.
المجاعة تطحن المدنيين: من علف الحيوانات إلى أكل الجذور
وصلت الأوضاع الغذائية إلى مرحلة كارثية، حيث أعلن برنامج الأغذية العالمي أن 25 مليون سوداني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 5 ملايين طفل يعانون سوء التغذية الحاد. في معسكر زمزم، لجأ السكان إلى تناول مخلفات عصر الفول السوداني (الأمباز) -المخصص أصلاً لعلف الحيوانات- بعد خلطه بالماء لصنع عصيدة. وبحسب شهود عيان، بدأ البعض في البحث عن جذور النباتات البرية كمصدر وحيد للغذاء.
انهيار المنظومة الصحية: تصفية الكوادر الطبية وتدمير المرافق
تصاعدت الهجمات الممنهجة ضد القطاع الصحي، حيث أعلنت شبكة أطباء السودان عن تصفية 10 من الكوادر الطبية، بينهم مدير مستشفى أم كدادة، على يد قوات الدعم السريع خلال هجوم 11 أبريل 2025. كما دمرت الميليشيا مستشفى أم كدادة بالكامل، مما حرم 50 ألف مواطن من الخدمات الطبية الأساسية.
في الفاشر، تعمل 3 مستشفيات فقط من أصل 11، وبطاقة استيعابية لا تتجاوز 25% من الاحتياجات الفعلية.وأفادت منظمة “أطباء بلا حدود” بوفاة 13 طفلاً يوميًا في المخيمات بسبب سوء التغذية والأمراض المنقولة بالمياه.
أزمة دواء مزمنة: بين النهب وغياب التمويل
كشف وزير الصحة الاتحادي هيثم إبراهيم عن نهب 60% من الشحنات الدوائية الموجهة إلى دارفور، مع صعوبات لوجستية في إيصال الـ40% المتبقية عبر الإسقاط الجوي. وتبلغ الفجوة التمويلية للقطاع الصحي 50 مليون دولار شهريًا، بينما لا تغطي الحكومة سوى 60% من هذا المبلغ.
تداعيات إقليمية ودولية: صرخات استغاثة دون استجابة
دقت الأمم المتحدة ناقص الخطر محذرة من مجاعة واسعة النطاق، حيث صنّف التقرير المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) مناطق شمال دارفور في المرحلة الخامسة (الكارثة) – وهي الأعلى في المقياس.من جهتها، وجهت منظمة الصحة العالمية نداء عاجلاً لتوفير 71 ألف طن من الإمدادات الطبية، لكن التمويل لم يتجاوز 30% من المطلوب.
على الصعيد الإقليمي، أعلنت السعودية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي عن إرسال 3 شحنات غذائية عبر مطار مروي، لكنها لم تتمكن من دخول دارفور بسبب الاشتباكات. بينما تظل المعابر الحدودية مع تشاد مغلقة أمام تدفق المساعدا.
مستقبل مظلم: سيناريوهات مرعبة في أفق الحرب
بحسب تحليلات الأمم المتحدة، قد يشهد 2025 نزوح 5 ملايين شخص إضافي إذا استمرت الاشتباكات بالوتيرة الحالية. كما يحذر خبراء اقتصاد من انهيار كامل للبنية التحتية، مع خسائر تتجاوز 200 مليار دولار منذ بداية الصراع.
في الختام، تحولت مناطق شمال دارفور إلى نموذج صارخ لانتهاك القانون الإنساني الدولي، حيث تجتمع عوامل الحرب المباشرة والحصار الاقتصادي وانهيار الخدمات الأساسية لصنع كارثة إنسانية تهدد بفقدان جيل كامل. يتطلب الخروج من هذا النفق تعبئة دولية عاجلة تفوق الاستجابات الحالية، مع ضمان ممرات آمنة للإغاثة ومحاسبة دولية للمتورطين في استخدام الجوع سلاحًا حربياً.