جزيرة الوراق: أزمة مستمرة وسط تصاعد التوتر بين الأهالي والسلطات المصرية
تشهد جزيرة الوراق النيلية في مصر صراعاً متجدداً بين سكانها والحكومة المصرية حول مستقبل هذه البقعة الاستراتيجية، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بالأمس السبت بين قوات الأمن والأهالي الرافضين لخطط الإخلاء، في حلقة جديدة من أزمة مستمرة منذ سنوات. تصاعدت الاحتجاجات مع إصرار الحكومة على تحويل الجزيرة إلى مشروع استثماري ضخم، بينما يتمسك السكان بأرضهم ويطالبون بحقوقهم في التعويض العادل أو البقاء في موطنهم الأصلي.
خلفية الأزمة وتطوراتها الأخيرة
تجددت الاشتباكات مساء السبت 12 أبريل 2025، بين قوات الشرطة وسكان جزيرة الوراق، في تصعيد جديد للأزمة. وفقاً لإفادات من سكان الجزيرة، استخدمت قوات الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع ضد الأهالي من جهة محور روض الفرج ناحية الكارته، في عملية استمرت لأكثر من أربع ساعات.
وتأتي هذه الأحداث بعد 17 يوماً من اشتباكات سابقة في 26 مارس، حين حاول بعض شباب الجزيرة إدخال مواد بناء عبر معدية شبرا-دمنهور، لكن قوات الأمن منعتهم، مما أدى إلى اندلاع مواجهات واعتقال 12 من أهالي الجزيرة، إضافة إلى 4 من سكان شبرا كانوا متواجدين للتضامن.
كما شهد شهر فبراير الماضي تصعيداً آخر عندما اعتصم العشرات من سكان الجزيرة أمام مقر جهاز تنمية مدينة جزيرة الوراق الجديدة، احتجاجاً على ما وصفوه بتعرض أحد أبناء الجزيرة للتعذيب على يد قوات الشرطة في قسم إمبابة.
جذور النزاع: بين تطوير الدولة وحقوق السكان
تعود جذور أزمة جزيرة الوراق إلى عام 2017، عندما بدأت السلطات المصرية خططاً طموحة لتطوير الجزيرة وتحويلها إلى مشروع استثماري كبير. ففي 17 يوليو 2017، شهدت الجزيرة اقتحاماً واسعاً من قبل قوات الشرطة، بهدف طرد الأهالي والاستيلاء على أراضيهم ومنازلهم، مما أسفر عن مقتل أحد السكان واعتقال العشرات.
وفي عام 2018، أصدر مجلس الوزراء المصري القرار رقم 20 لسنة 2018 بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق، تبعته قرارات نزع ملكية أراضي الجزيرة، بما في ذلك قرار نزع ملكية الأراضي اللازمة لتنفيذ مشروع إنشاء 68 برجاً بمدينة الوراق الجديدة لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
ثم في 26 يوليو 2022، أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات تغيير اسم جزيرة الوراق إلى “مدينة حورس”، مشيرة إلى أن تكلفة المشروع تصل إلى 17.5 مليار جنيه، وأن دراسة الجدوى قدرت الإيرادات الكلية بنحو 122.54 مليار جنيه.
مشروع استثماري ضخم وسط عاصمة مزدحمة
تتمتع جزيرة الوراق بموقع استراتيجي مميز في قلب نهر النيل، وتعتبر أكبر الجزر النيلية المصرية بمساحة تبلغ 1470 فداناً. تقع الجزيرة في نطاق محافظة الجيزة، يحدها شمالاً وشرقاً محافظة القليوبية وجنوباً محافظة القاهرة وغرباً محافظة الجيزة.
ويدور النزاع حالياً حول نسبة 24% من إجمالي مساحة المنطقة محل التطوير، بعد إعلان وزارة الإسكان إخلاء نحو 993 فداناً من أصل 1295 فداناً، أي ما يعادل 76% من إجمالي مساحة التطوير. وتشير البيانات الرسمية إلى أن خطط التطوير تشمل إنشاء 68 برجاً سكنياً ومجموعة من المشاريع التجارية والسياحية، إضافة إلى كورنيش سياحي وحديقة مركزية ومارينا.
وفي يوليو 2024، وقعت مجموعة صفوت القليوبي وشركة (كيه.أس.أتش) الإماراتية للاستثمار اتفاقاً قيمته 24 مليار جنيه مصري (500 مليون دولار) لتنفيذ مشروع تطوير عقاري على نهر النيل في القاهرة، يشمل إنشاء 3 أبراج سكنية وتجارية وفندق 5 نجوم في منطقة مطلة على جزيرة الوراق.
حصار أمني وتضييق على الأهالي
تشهد الجزيرة حصاراً أمنياً مستمراً منذ عام 2017، تصاعدت إجراءاته في الأشهر الأخيرة. وفق شهادات السكان، باتت السلطات تتحكم في أوقات عبور المعديات، كما منعت دخول مواد البناء إلى الجزيرة، في إطار ما يصفه الأهالي بمحاولات التضييق عليهم لدفعهم إلى مغادرة الجزيرة.
وفي يونيو 2024، وجه رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بـ “التصدي بحسم” لأية محاولات للبناء المخالف في الجزيرة، ومنع عودة “التظاهرات العشوائية” فيها، مع ضرورة الالتزام بالبرامج الزمنية المقررة لتنفيذ أعمال الإخلاء للمنازل والأراضي.
الأهالي بين التمسك بالأرض ومطالب التعويض العادل
يقطن الجزيرة وفق بعض التقديرات حوالي 30 ألف نسمة، بينما تشير مصادر أخرى إلى أن العدد قد يصل إلى 130 ألف نسمة. يعتمد غالبية السكان على نشاطي الزراعة والصيد كمصدر دخل رئيسي.
ويشدد أهالي الوراق في كل مناسبة على أنهم لا يرفضون تطوير الجزيرة، بل يطالبون فقط بضمان عودتهم إليها بعد التطوير، ورفض التهجير القسري الذي تمارسه الدولة بحقهم.
ووفق إفادات بعض السكان، فإن المفاوضات بين مسؤولي الدولة والأهالي “مستمرة وجارية”، موضحين أن الدولة تتبع حالياً سياسة “الشراء الرضائي” مع الأهالي. وتتلخص مطالب الأهالي في “الحصول على شقق سكنية بديلة أو قطعة أرض على مساحة 300 فدان داخل الجزيرة لبناء مجمع سكني لأهالي الجزيرة عليها في مقابل الرحيل عن منازلهم وأراضيهم”.
في المقابل، تعرض الدولة على الأهالي وحدات سكنية داخل الجزيرة وخارجها بمدينة أكتوبر الجديدة ومنطقة مطار إمبابة، إضافة إلى قطع أراض زراعية في مدينة السادات.
الخلاف حول ملكية الأراضي
يكمن جوهر الخلاف بين الطرفين في قضية ملكية الأراضي. يؤكد بعض الأهالي امتلاكهم لعقود ملكية تعود إلى أكثر من قرن، ففي إحدى الشهادات يقول أحد سكان الجزيرة إنه يمتلك عقد ملكية لمنزله يعود إلى عام 1905.
وبحسب بيانات “مجلس عائلات الوراق”، فإن لدى الأهالي سندات وحجج ملكية موثقة للأرض والمنازل، ولا يوجد بالجزيرة إلا 60 فداناً فقط أملاك دولة، منها 30 فداناً تابعة لوزارة الأوقاف أجرتها إلى الفلاحين، والـ30 الأخرى أملاك دولة، استأجرها الأهالي بحق الانتفاع.
من جانب آخر، تشير بعض المصادر إلى أن أغلب سكان الجزيرة لا يمتلكون وثائق ملكية لعقاراتهم أو أراضيهم، حيث شغلوها على مر عقود بوضع اليد وسط سكوت رسمي فرض أمراً واقعاً.
مطالبات حقوقية بحلول عادلة
دعا المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى ضرورة حماية حقوق السكان المحليين في الجزيرة، وتبني سياسات تنموية تحافظ على الطابع الاجتماعي والبيئي للجزيرة، وتطوير بنية تحتية وخدمات عامة تخدم سكان الجزيرة وتحسن من مستوى حياتهم.
كما طالب المركز بتوفير تعويضات عادلة ومرضية للسكان الراغبين في الإخلاء طوعاً، مع ضرورة إشراك السكان المحليين في عملية صنع القرار المتعلقة بمستقبل الجزيرة، وتنظيم جلسات حوارية بين الحكومة والسكان للوصول إلى حلول مقبولة.
المستقبل المجهول لجزيرة الوراق
مع استمرار الاشتباكات والاحتجاجات، تبقى أزمة جزيرة الوراق دون حل نهائي في الأفق. بين رصد الحكومة 7 مليارات جنيه (144.32 مليون دولار) لتعويض قرابة 200 ألف مواطن، وإصرار السكان على حقوقهم في التعويض العادل أو البقاء في أراضيهم، يظل مستقبل الجزيرة وسكانها معلقاً.
ويؤكد بعض الأهالي أن محاولات التفاوض مع الحكومة باءت بالفشل خلال السنوات الماضية، وأن الحكومة “تريد إخلاء أرض الجزيرة وتهجير السكان بأقصى سرعة لتسليمها للمستثمر”، دون مراعاة حقوق السكان الأصليين.
ووسط هذا التوتر المتصاعد، تبقى جزيرة الوراق نموذجاً لصراع المساحات والملكية بين الدولة والمواطنين، وتنتظر إيجاد حلول توازن بين متطلبات التنمية وحقوق السكان المحليين.