تفكيك شبكة أوروبية واسعة زوّدت حزب الله بمعدات تصنيع الطائرات المسيرة
كشفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية عن نجاح السلطات الأمنية الأوروبية في تفكيك شبكة لوجستية متطورة كانت تزود حزب الله اللبناني بمعدات ومكونات لتصنيع طائرات مسيّرة عسكرية. امتدت هذه الشبكة عبر عدة دول أوروبية بما فيها إسبانيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وتم تفكيكها بعد سلسلة من العمليات الأمنية المنسقة خلال الفترة الممتدة من صيف 2024 حتى مطلع نيسان/أبريل 2025. وبحسب المصادر، كانت المكونات المضبوطة كافية لتصنيع ما يصل إلى ألف طائرة مسيّرة مجهزة بقدرات هجومية، مما يشير إلى حجم العملية وخطورتها على الأمن الإقليمي والدولي.
تفاصيل الكشف عن الشبكة وتفكيكها
كشفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية أن الحدث الأهم ما بين صيف 2024 والأسبوع الأول من نيسان/أبريل 2025 تمثّل بتفكيك شبكة الدعم اللوجستي لحزب الله، والتي كانت تعمل في عدة دول أوروبية. وأشارت الصحيفة إلى أنه في الرابع من نيسان/أبريل، وجه قاضي مكافحة الإرهاب في باريس اتهاماً لمشتبه به وحكم عليه بالسجن بتهمة التآمر الإرهابي، حيث تبين بعد التحقيق أنه تم شراء مكونات طائرات بدون طيار من أوروبا وإرسالها إلى لبنان.
بدأت العملية عندما رصد الحرس المدني الإسباني “عمليات مشبوهة” لشركات إسبانية يديرها لبنانيون، تتضمن كميات كبيرة من مواد ومكونات تصنيع طائرات مسيّرة قادرة على حمل عبوات ناسفة يبلغ وزنها عدة كيلوغرامات. ونتيجة لذلك، تم إطلاق تحقيق مشترك بين عدة دول أوروبية للكشف عن أبعاد هذه الشبكة ومدى امتدادها.
وأكدت المصادر أن القضية ظلت سرية نسبياً، مما يدل من ناحية على تعاون العديد من أجهزة الشرطة والاستخبارات الأوروبية، ومن ناحية أخرى على الطبيعة الحساسة للغاية للقضية في وقت لا يزال فيه الشرق الأوسط يشهد توترات واسعة.
البلدان المشاركة في العملية والاعتقالات
شملت العملية تعاوناً أمنياً بين عدة دول أوروبية، مع تركيز خاص على إسبانيا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. ففي يوليو/تموز 2024، تواصلت السلطات الإسبانية مع نظيرتها الألمانية، مما أدى إلى اعتقال أربعة مشتبه بهم: اثنان في برشلونة، وواحد في مدينة دالامان القريبة من برشلونة، والرابع في مدينة زالتسغيتر الألمانية.
وأشارت التقارير إلى أن أحد المشتبه بهم كان من أصل لبناني ويعمل في ألمانيا. وفي وقت لاحق، وتحديداً في الرابع من نيسان/أبريل 2025، وجه قاضي مكافحة الإرهاب في باريس اتهاماً لمشتبه به آخر وحكم عليه بالسجن بتهمة التآمر لأهداف ذات طابع إرهابي.
وعلى النقيض من السلطات الإسبانية والألمانية والبريطانية، لم تعلن السلطات الفرنسية عن أي معلومات رسمية بشأن هذه العملية، مما يشير إلى تباين في النهج الإعلامي المتبع من قبل الدول المشاركة.
المعدات المضبوطة وخطورتها
نوعية المكونات وحجمها
كشفت التحقيقات أن الشبكة كانت متورطة في شراء معدات متنوعة لازمة لتصنيع الطائرات بدون طيار. وشملت المكونات المضبوطة أكثر من 200 محرك كهربائي ومحركات بنزين ومراوح وأنظمة توجيه متطورة ومواد مركبة لبناء جسم وأجنحة الطائرة بدون طيار.
كما اشترت الشركات الإسبانية المتورطة في القضية مواد تشمل مكونات التوجيه الإلكتروني وأجزاء أخرى ضرورية لتصنيع طائرات مسيّرة قادرة على حمل شحنات متفجرة. وأشارت التقديرات إلى أن جميع العناصر التي تم الحصول عليها كان من الممكن أن تمكّن من تصنيع مئات الأجهزة، وربما يصل عددها إلى ألف جهاز.
الاستخدامات المحتملة والأهداف
تم التعرف على بعض القطع التي حصلت عليها الشبكة التي تم تفكيكها في طائرات مسيّرة استخدمها مقاتلو حزب الله في هجمات ضد إسرائيل بعد بدء حرب غزة التي اندلعت في أكتوبر 2023. وهذا يؤكد الارتباط المباشر بين المكونات المضبوطة والعمليات العسكرية التي ينفذها حزب الله.
وتشير التقارير إلى أن هذه الطائرات المسيّرة كانت ستكون قادرة على حمل عبوات ناسفة يبلغ وزنها عدة كيلوغرامات، مما يجعلها أسلحة فعالة في الصراع الدائر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، حيث تتبادل إسرائيل وحزب الله الهجمات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 450 شخصاً في لبنان، فيما قتل من الجانب الإسرائيلي قرابة 35 شخصاً معظمهم من العسكريين.
التعاون الأمني الأوروبي وسرية العملية
تنسيق الجهود الاستخباراتية
أظهرت العملية مستوى عالياً من التنسيق والتعاون بين أجهزة الاستخبارات والشرطة في الدول الأوروبية المختلفة. وأكدت صحيفة “لوفيغارو” أن القضية ظلت سرية نسبياً، مما يدل على تعاون العديد من أجهزة الشرطة والاستخبارات الأوروبية.
ويعكس هذا التعاون وعياً متزايداً لدى الدول الأوروبية بخطورة الشبكات اللوجستية التي تعمل على أراضيها لصالح منظمات معتبرة إرهابية في العديد من الدول الغربية، وضرورة العمل المشترك لمواجهتها.
سرية العملية والتكتم الإعلامي
على الرغم من الأهمية الكبيرة للعملية، إلا أن السلطات المعنية حافظت على درجة عالية من السرية خلال تنفيذها. وفي حين قامت السلطات الإسبانية والألمانية والبريطانية بالإعلان عن بعض جوانب العملية، فإن السلطات الفرنسية لم تعلن عن أي معلومات بشأنها.
ويعود السبب في ذلك، وفقاً للتقارير الصحفية، إلى “الطبيعة الحساسة للغاية للقضية في وقت لا يزال فيه الشرق الأوسط مشتعلاً”، مما يشير إلى رغبة السلطات في تجنب أي تصعيد دبلوماسي أو أمني قد ينتج عن الإعلان الرسمي عن تفاصيل العملية.
خلفية عن تمويل حزب الله ومصادر موارده
مصادر التمويل التقليدية
يعتمد حزب الله على مصادر متنوعة للتمويل والدعم اللوجستي. فبحسب المعلومات المتوفرة، يحصل الحزب على جزء من تمويله من خلال التبرعات، حيث يقدم الشيعة اللبنانيون مساهمات الزكاة بعد الصلاة.
بالإضافة إلى ذلك، يتلقى حزب الله مساعدات مالية وسياسية وكذلك أسلحة وتدريباً من إيران. وتقدر الولايات المتحدة أن إيران كانت تمنح حزب الله ما يتراوح بين 60 و100 مليون دولار أمريكي سنوياً، مع بعض التقديرات التي تصل إلى 200 مليون دولار سنوياً.
شبكات الدعم اللوجستي
تكشف القضية الحالية عن وجود شبكات لوجستية متطورة تعمل في أوروبا لدعم أنشطة حزب الله العسكرية. وتتألف هذه الشبكات من أفراد ذوي صلات بالحزب يعملون على شراء المعدات والتكنولوجيا اللازمة لتطوير قدراته العسكرية، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة.
وتمثل هذه الشبكات تحدياً كبيراً للسلطات الأمنية الأوروبية، نظراً لقدرتها على العمل عبر عدة دول وإخفاء نشاطاتها الحقيقية تحت غطاء أنشطة تجارية مشروعة.
التداعيات الإقليمية والدولية
تأثير العملية على قدرات حزب الله
يتوقع أن يكون لتفكيك هذه الشبكة تأثير ملموس على قدرات حزب الله العسكرية، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة التي تشكل عنصراً مهماً في استراتيجيته العسكرية. فحرمان الحزب من معدات كافية لتصنيع حوالي ألف طائرة مسيّرة يمثل ضربة قوية لبرنامجه في هذا المجال.
ومع ذلك، من المرجح أن يسعى حزب الله إلى تطوير قنوات بديلة للحصول على المكونات اللازمة، إما من خلال إعادة تنظيم شبكاته في أوروبا أو الاعتماد بشكل أكبر على مصادر أخرى، مثل إيران أو الصين أو روسيا.
انعكاسات على العلاقات الدولية
تثير هذه القضية تساؤلات حول مدى فعالية الرقابة الأوروبية على تصدير التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، التي يمكن استخدامها في تطبيقات مدنية وعسكرية. كما تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الدول الأوروبية في موازنة مصالحها الاقتصادية مع مخاوفها الأمنية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه العملية إلى تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول الأوروبية لمكافحة شبكات الدعم اللوجستي للمنظمات المصنفة إرهابية، مع احتمال فرض ضوابط أكثر صرامة على تصدير المكونات التكنولوجية المتقدمة.