تعيش محافظة قنا، التي تتصدر إنتاج السكر في مصر بثلث الإنتاج الوطني، حالة من الاستياء الشديد بين أوساط مزارعي قصب السكر بسبب تأخر صرف مستحقاتهم المالية من شركات السكر، رغم توريدهم المحصول منذ عدة أشهر.
وتكشف مصادر لمنصور المنشر الاخباري أن هذه المشكلة المتكررة سنويا تتسبب في تراكم الديون على المزارعين وتحميلهم فوائد بنكية لا ذنب لهم فيها، مما يدفع الكثيرين إلى التفكير في هجر زراعة هذا المحصول الاستراتيجي والبحث عن بدائل أقل تكلفة وأكثر استقرارا من الناحية المالية.
محافظة قنا وأهميتها في إنتاج السكر المصري
تحتل قنا المركز الأول في مصر في إنتاج السكر، حيث تضم ثلاثة مصانع رئيسية في نجع حمادي ودشنا وقوص. تبلغ المساحة المزروعة بمحصول قصب السكر في المحافظة حوالي 120 ألف فدان، وهي تمثل 35% من إجمالي المساحة المزروعة بالقصب على مستوى الجمهورية، مع إنتاج سنوي يقدر بنحو 3 ملايين طن من القصب الخام، أي ما يعادل 300 ألف طن من السكر.
مشكلة تأخر صرف المستحقات وتداعياتها على المزارعين
بالرغم من هذه الأهمية الاستراتيجية، يعاني مزارعو قصب السكر في قنا من مشكلة مزمنة تتمثل في تأخر صرف مستحقاتهم المالية بعد توريد المحصول للمصانع.
وتشير الشكاوى إلى أن شركات السكر لا تصرف المستحقات بشكل كامل للمزارعين، وتتأخر في تحويل الأموال إلى بنك التنمية والائتمان الزراعي، مما يتسبب في تراكم الفوائد على القروض التي حصل عليها المزارعون.
يقول محمود إبراهيم الشيخ، أحد مزارعي القصب بمركز الوقف في محافظة قنا: “إن شركة السكر تسقينا المر كل عام بسبب هذا التأخير الذي أدى إلى هجران كثير من المزارعين زراعة القصب وهو محصول إستراتيجي، وتحولهم إلى زراعات أخرى”.
كما يؤكد اللواء مختار فكار، رئيس نقابة مزارعي قصب السكر بجنوب الصعيد، أن مزارعي قصب السكر في حالة استياء شديد من تأخير مستحقاتهم المالية كل عام بعد توريد المحصول للشركات منذ أكثر من 4 أشهر، لافتا إلى أن هناك التزامات على المزارعين وخاصة أنها الزراعة الرئيسية بالمحافظة، ويقوم عليها عدد كبير من الأسر بمراكز محافظة قنا المختلفة.
آلية دفع المستحقات والمشاكل المتكررة
وفقا للقواعد المتبعة، يفترض أن يتم صرف مستحقات المزارعين على دفعتين: 80% دفعة أولى ثم 20% عند الحساب الختامي للموردين، وذلك بعد التوريد بفترات محددة. ولكن في الواقع، يتكرر كل موسم تأخير صرف هذه المستحقات لفترات طويلة لا يتحملها المزارعون ولا يعرفون كيف يدبرون أمورهم خلالها.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني المزارعون من مشكلة احتساب فوائد على القروض التي حصلوا عليها من بنك التنمية والائتمان الزراعي، رغم توريدهم المحصول في الوقت المحدد.
وكشف اللواء فكار أنه جار تجميع أوراق ومستندات من المزارعين لرفع دعوى قضائية بمحكمة القضاء الإداري، لحل أزمة فوائد البنك مع المزارعين وإلزام شركات السكر بحكم قضائي بعدم احتساب الفائدة من تاريخ توريد المحصول، ووضع فترة سماح محددة تصل 15 يوما للشركات لسد مديونيات المزارعين بالبنوك.
تأثير المشكلة على زراعة القصب والصناعات المرتبطة
شهد محصول قصب السكر تراجعا ملحوظا خلال المواسم الزراعية الأخيرة، بسبب عزوف عدد كبير من المزارعين عن زراعته، ما وضع عدة صناعات حيوية مثل صناعة الورق والسكر في مأزق، نتيجة تراجع كميات التوريد وزيادة تكلفة الحصول على الخامات البديلة.
ويقول حسين عز، مزارع من محافظة قنا: “كنا بنزرع القصب واحنا مطمنين.. محصول مضمون.. بس الخساير أكتر من المكسب، بعد ارتفاع سعر السماد والمستلزمات الزراعية، ده غير أزمة نقص المياه اللي ضربت المحصول في السنين الأخيرة.
ويضيف عز أن إنتاجية الفدان الواحد التي كانت تبلغ نحو 40 طنا، أصبحت الآن لا تكاد تتجاوز 25 طنا في بعض الأراضي، وهو ما دفع كثيرين إلى إعادة النظر في زراعة القصب من الأساس.
وتتجاوز المشكلة صناعة السكر لتؤثر في صناعات أخرى مرتبطة بمخلفات قصب السكر، مثل صناعة الورق. يقول عبد السلام الأمير، نقيب العمال بمصنع “إدفو” للورق: “إنتاج صناعة الورق انخفض في الفترة بين 2020 لـ 2024 من مليون و200 أو 300 ألف طن إلى 850 ألف طن تقريبا”، مشيرا إلى أزمة كبيرة في هذا القطاع بسبب نقص المواد الخام نتيجة انخفاض كميات مخلفات قصب السكر المتاحة للصناعة