كشفت دائرة المخابرات العامة الأردنية عن تفاصيل خطيرة ومثيرة للقلق حول مخططات إرهابية ضالع فيها أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين كانت تستهدف زعزعة الأمن الوطني والاستقرار في المملكة الأردنية الهاشمية.
وقد نجحت الجهود الاستخباراتية المكثفة في ضبط عناصر هذه الخلايا وإحباط مخططاتهم التخريبية قبل تنفيذها، حيث ألقت القبض على 16 شخصاً تورطوا في عمليات تهدف إلى تصنيع صواريخ ومتفجرات وطائرات مسيرة، بالإضافة إلى عمليات تجنيد وتدريب داخل المملكة وخارجها.
بدأت قصة هذه المخططات الظلامية في عام 2021، حيث رصدت دائرة المخابرات العامة الأردنية تحركات مشبوهة لمجموعة من الأشخاص يتواصلون مع جهات خارجية.
استمرت عملية المراقبة والمتابعة الاستخباراتية لهذه الخلايا المشبوهة بيقظة واقتدار، حتى اكتملت خيوط التحقيق وثبتت الأدلة على تورطهم في مخططات تهدف إلى المساس بالأمن الوطني.
كشفت التحقيقات أن هذه المخططات كانت تتمحور حول أربع قضايا رئيسية تشمل: تصنيع صواريخ قصيرة المدى يصل مداها بين 3-5 كيلومترات، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة أوتوماتيكية، وإخفاء صاروخ مُجهز للاستخدام، بالإضافة إلى مشروع لتصنيع طائرات مسيرة، ناهيك عن عمليات تجنيد وتدريب عناصر جديدة داخل المملكة وإخضاعها للتدريب في الخارج. وقد شكّلت هذه المخططات تهديداً حقيقياً لأمن المملكة واستقرارها لو قُدّر لها النجاح.
تم تقسيم المتورطين في هذه المخططات إلى أربع خلايا رئيسية، لكل منها مهام محددة ضمن المخطط الأكبر:
الخلية الأولى: تم ضبطها بين شهري أيار وحزيران من عام 2023، وتكوّنت من 3 عناصر رئيسية كانت مهمتهم نقل وتخزين متفجرات شديدة الانفجار من أنواع TNT وC4 و(SEMTEX-H) وأسلحة أوتوماتيكية تم تهريبها من الخارج، بالإضافة إلى عنصر رابع عمل على إخفاء صاروخ من نوع “كاتيوشا” مجهز بصاعق في منطقة مرج الحمام.
الخلية الثانية: تم إلقاء القبض عليها في شهر شباط 2025، وتكونت من 3 عناصر رئيسيين كانت مهمتهم تصنيع الصواريخ باستخدام أدوات محلية وأخرى مستوردة من الخارج.
قامت هذه العناصر بإنشاء مستودعين، أحدهما في محافظة الزرقاء والآخر في العاصمة عمان، وكان أحد هذه المستودعات محصّناً بالخرسانة لتخزين الصواريخ ويحتوي على غرف سرية مقفلة.
الخلية الثالثة: تألفت من 4 عناصر انخرطت في مشروع لتصنيع طائرات مسيرة (درونز)، حيث استعانت بأطراف خارجية عبر زيارات لدول أجنبية للحصول على الخبرات اللازمة لتنفيذ مخططها2.
الخلية الرابعة: ضمت 5 عناصر موزعين على مجموعتين، وكانت مهمتها العمل على تجنيد وترشيح عناصر جديدة وإخضاعها لدورات وتدريبات أمنية غير مشروعة2.
الأردن: المخابرات العامة تحبط مخطط داعش لـ استهداف الشيعة في الكرك
الأردن يُفشل مخططًا إيرانيًا لتسليم الأسلحة لجماعة الإخوان
اعترافات متهمي خلية تصنيع الصواريخ
أدلى المتهم عبدالله هشام أحمد عبد الرحمن (المولود عام 1989) باعترافات مفصلة حول دوره في المخطط، حيث كشف أنه تخرج من جامعة العلوم والتكنولوجيا بتخصص الهندسة المدنية ويعمل في مجال المقاولات والطاقة الشمسية.
قر المتهم أن علاقته بجماعة الإخوان المسلمين (غير المرخصة) بدأت منذ عام 2002 من خلال أنشطة في المدارس والمساجد.
اعترف عبدالله أن شخصاً يدعى إبراهيم محمد (الذي يحاكم حالياً أمام محكمة أمن الدولة) طرح عليه فكرة إنتاج صواريخ في الأردن عام 2021، على أن يتولى عبدالله العمل المتعلق بإنشاء الهياكل المعدنية1. وذكر أنه وافق على العرض وقام بترشيح قريبه معاذ الغانم لمساعدته في المهمة.
وفي تفاصيل صادمة، كشف المتهم عبدالله أنه والمتهم معاذ سافرا إلى لبنان حيث التقيا بمسؤول تنظيمي هناك كان يدير الملف بأكمله.
وأضاف أنهما خضعا لفحص أمني (فحص الكذب) خلال زيارتهما لبيروت قبل أن يُطلب منهما العودة إلى الأرد.. وبعد فترة، زارا لبنان مرة أخرى حيث تلقيا تدريبات على الخراطة اليدوية الفنية لصناعة الصواريخ
أوضح المتهم معاذ الغانم في اعترافاته: “في منتصف 2021 عرض عليّ عبد الله هشام ابن عمتي الذهاب إلى لبنان، رحنا على لبنان وتعرفنا هناك على شخص اسمه أبو أحمد وعرض علينا فكرة تصنيع هياكل الصواريخ في الأردن”.
وأضاف: “كانوا يأخذوننا بالسيارة إلى مخرطة عبارة عن كراج بناية فيها مخارط يدوية وفنيين، وأخضعونا لدورة حيث كانوا يعلموننا العمل على الماكينات، بالإضافة إلى إنتاج أشياء تشبه ما سنقوم بإنتاجه في الأردن”، بحسب قناة المملكة.
اعترافات متهمي خلية نقل الأموال
أسندت مهمة نقل الأموال من الخارج إلى عنصر ثالث هو محسن الغانم، الذي اعترف قائلاً: “حضر إليّ عبد الله في سنة 2022 وطلب مني نقل الأموال، وفعلاً ذهبت والتقيت بشخص تبين لي أن اسمه إبراهيم وأنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، فعلاً أعطاني 20,000 دولار وعدت للأردن وسلمتها لعبدالله”.
تفاصيل عمليات التصنيع والتخزين
اتخذت الخلية من مناطق عدة أماكن لعملها، فأنشأت مصنعاً بمحافظة الزرقاء ومستودعاً للتخزين بمحافظة العاصمة، وبدأت بتوفير ما يلزم من أدوات محلية وأخرى تم استيرادها من الخارج لغايات غير مشروعة.
اعترف المتهم عبدالله: “اخترت ماكنتين واحدة سي إن سي وواحدة يدوية، وبعد وصول الماكينات بدأنا محاولات إنتاج قطع أو أجزاء من هيكل الصاروخ”.
تم إعداد مستودع التخزين بطريقة احترافية لحفظ المواد الخام والنماذج المجهزة ولتجميع أجزاء الصواريخ، مع غرفة سرية لها باب إسمنتي مموه خلفه ساحة كانت مجهزة لإخفاء الصواريخ.
ووصف أحد المتهمين المستودع الثاني قائلاً: “هو تسوية مكشوفة، يعني السطح هو سطح مسقوف، قسمتها لجزئين: جزء خارجي مكشوف وجزء داخلي فيه باب مموه أو بابين، أي أبواب حديدية لكن بدل تصفيحها بالحديد قمنا بصبها خرساني بحيث أنها تكون مكملة لشكل المبنى”.
عثرت الأجهزة الأمنية على مجموعة من القطع المعدنية أنبوبية ومخروطية الشكل وقطع بأشكال هندسية مختلفة مخزنة في منازل الضالعين بالمخطط، وعند جمع الأجزاء معاً تتشكل هياكل صواريخ مبتكرة قصيرة المدى مستنسخة من الصاروخ “جراد”.
وكانت هذه الصواريخ تنتظر المختصين لتزويدها بالمتفجرات ومحركات الدفع والصواعق الاصطدامية.
أكدت التحليلات الفنية أن المعدات والأدوات التي تم ضبطها كان من شأنها أن تنتج قرابة 300 صاروخ مماثل للنموذج الذي جرى العمل على تصنيعه، والذي يقدر مداه ما بين 3 إلى 5 كيلومترات، مما يشكل تهديداً على أهداف داخل المملكة.
أعلن وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني أن المتهمين بالقضايا السابقة قد أحيلوا إلى محكمة أمن الدولة بالتهم المسندة إليهم خلافاً لأحكام قانون منع الإرهاب، وذلك بعد انتهاء إجراءات التحقيق معهم ومصادقة النائب العام لمحكمة أمن الدولة على قرار الظن الصادر بحقهم أصولاً ووفق أحكام القانون.
وشدد الوزير على أن الأجهزة الأمنية تقوم بأداء واجبها على أكمل وجه وهي مستمرة بكل ما يلزم للحفاظ على أمن الوطن والمواطن، مؤكداً أنه بفضل الله تم ضبط كل ما يتعلق بهذه القضايا ولا يوجد ما يثير أي قلق.
الدعم الخارجي والارتباطات التنظيمية
كشفت اعترافات المتهمين وتصريحات المسؤولين الأردنيين عن وجود ارتباطات خارجية وتنظيمية لهذه الخلايا. فمن جهة، تلقى المتهمون تدريبات في لبنان على يد خبراء ومسؤولين تنظيميين.
. ومن جهة أخرى، تم تمويل عمليات هذه الخلايا من خلال تحويلات مالية من الخارج، كما ظهر في قضية المبلغ المالي الذي تم نقله وقدره 20 ألف دولار.
وأشار الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية إلى أن “الضالعين بالمخطط الذي كان يستهدف أمن المملكة ينتمون سياسياً لجماعة محلية منحلة وغير مرخصة”، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي أقر المتهمون بانتمائهم إليها.