أزمة الترحيل: توترات دبلوماسية تدفع الجزائر لاتخاذ إجراءات ضد الرعايا الماليين
تصاعد التوتر الدبلوماسي بين الجزائر ومالي
تشهد العلاقات الجزائرية المالية توتراً دبلوماسياً غير مسبوق في الأيام الأخيرة، مما دفع السلطات الجزائرية لاتخاذ إجراءات استثنائية تجاه آلاف المهاجرين الماليين المقيمين على أراضيها. ويأتي هذا التصعيد على خلفية حادثة إسقاط طائرة مسيّرة مالية من طراز “بيرقدار تي بي 2” في نهاية مارس الماضي، حيث تؤكد الجزائر أن الطائرة اخترقت مجالها الجوي لمسافة كيلومترين، بينما تنفي مالي هذه الرواية بشكل قاطع مؤكدة أن طائرتها “كانت تتحرك في المجال الجوي المالي حصرياً”
وقد أدى هذا الحادث إلى سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية المتبادلة، حيث سارعت مالي إلى استدعاء سفيرها من الجزائر وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الجزائرية، ووجدت دعماً سريعاً من حليفتيها في “تحالف بلدان الساحل”، النيجر وبوركينا فاسو، اللتين استدعتا أيضاً سفيريهما من الجزائر. ورداً على ذلك، أعلنت الجزائر في بيان رسمي “أسفها لاضطرارها إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل واستدعاء سفيريها في مالي والنيجر للتشاور وتأجيل تولي سفيرها الجديد في بوركينا فاسو لمهامه”.
كما أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الرحلات القادمة من مالي أو المتجهة إليها، معللة ذلك بـ”الانتهاكات المتكررة” لمجالها الجوي. وفي تصعيد إضافي، قررت كل من مالي والجزائر رفع خلافهما إلى مجلس الأمن الدولي.
دعوات عنصرية وموجة مناهضة للمهاجرين الأفارقة
في خضم هذا التوتر الدبلوماسي، تصاعدت على منصات التواصل الاجتماعي الجزائرية دعوات لترحيل اللاجئين من دولة مالي ومن جنسيات إفريقية أخرى. وقد أثارت الفيديوهات المتداولة ردود فعل واسعة، تضمنت تعليقات عنصرية وأخرى مدافعة عن اللاجئين ومنددة بالتحريض ضدهم.
وتأتي هذه الدعوات في ظل تنامي المشاعر المعادية للمهاجرين من دول جنوب الصحراء على خلفية الأزمة الدبلوماسية، حيث لوحظ اختفاء أطفال المهاجرين من شوارع العاصمة الرئيسية، الذين اعتادوا تقديم خدمة تنظيف زجاج السيارات. كما لم يعد يظهر أثر للشبان المهاجرين في ورش البناء والأشغال العامة المنتشرين عادة في ضواحي العاصمة.
الإجراءات الاحترازية والمخاوف من الاستهداف
سارعت السلطات الجزائرية إلى إبعاد عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين، المتحدرين من جنوب الصحراء، عن الأماكن العامة، في إجراء احترازي لمنع تعرضهم لاعتداءات. وأكدت مصادر من محافظة الجزائر العاصمة أن المئات من المهاجرين السريين من دول الساحل يوجدون منذ أيام في مراكز مخصصة للأشخاص الذين يواجهون صعوبات في حياتهم، حيث يجدون هناك المأوى والغذاء والرعاية الصحية.
وسخّرت السلطات عدداً كبيراً من أعوان أجهزة “الدعم الإنساني والنشاط الاجتماعي التضامني”، لإنجاح ما يشبه حملة استباقية لحماية المهاجرين من خطر محتمل. وتشير مصادر رسمية إلى “حرص الجهات الحكومية على منع وقوع أي احتكاكات، أو اعتداءات قد يتعرض لها هؤلاء الرعايا، الذين يبقون ضيوفاً على الجزائر، حتى يتم ترحيلهم إلى بلدانهم طبقاً لاتفاقات مع سلطات هذه البلدان”.
خطط الترحيل والمفاوضات الجارية
تستعد السلطات الجزائرية لترحيل ما لا يقل عن 20 ألف لاجئ مالي، أغلبهم يقيم في مدن الجنوب الجزائري. وكشفت مصادر دبلوماسية أن مفاوضات تجري في الوقت الحالي بين الجزائر وجمهورية مالي لبحث توقيع اتفاقية لبدء ترحيل هؤلاء اللاجئين، بعد الاتفاق الذي توصلت إليه مالي وموريتانيا بشأن ترحيل اللاجئين الماليين إلى بلادهم.
ويشكل النيجريون أكثرية من بين المهاجرين من دول الساحل، حيث من المعروف أنهم يصلون إلى الجزائر بأعداد ضخمة سنوياً، ويعتزم الكثير منهم الانتقال إلى إسبانيا بعد فترة من الاستقرار في البلاد. وفي هذا السياق، شنت قوات الأمن الجزائرية حملات كثيرة في السنوات الأخيرة لترحيلهم إلى الحدود، لكنها لم تقضِ على المشكلة بشكل جذري.
سوابق تاريخية للترحيل والإجراءات القانونية
ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات بين الجزائر ومالي توتراً بسبب قضية ترحيل المهاجرين. ففي عام 2018، تمر علاقات البلدين بأزمة دبلوماسية حادة بسبب حملة ترحيل رعايا مالي من المهاجرين السريين، حيث استدعت حكومة مالي سفيرها وقنصلها في الجزائر لـ”التشاور حول الوضعية المزرية للماليين” المقيمين فوق التراب الجزائري بصفة غير قانوني.
كما أن السلطات الجزائرية قررت في أغسطس 2017 استئناف عمليات ترحيل الرعايا النيجيريين المقيمين بالجزائر بطريقة غير شرعية بالتنسيق مع الحكومة النيجيرية. وأكد الناطق باسم وزارة الخارجية آنذاك أن هذه العمليات “تندرج في إطار سلسلة من الإجراءات اتخذتها الحكومة الجزائرية من أجل تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية الواقعة ما وراء الصحراء خاصة النيجر ومالي بهدف وقف نزوح المهاجرين الغير شرعيين الذي يواجهه بلدنا”.
وفي نوفمبر 2022، أمرت الحكومة الجزائرية بتجميد ظرفي لمخطط ترحيل 5 آلاف مهاجر إفريقي من الجزائر نحو 7 بلدان إفريقية إلى ما بعد شهر رمضان لظروف إنسانية، مع الاستمرار في عملية إحصاء المقيمين من المهاجرين السريين والنازحين.
انتقادات حقوقية ودفاع حكومي
أطلق نقابيون وحقوقيون نداءً ينتقد ما وصفوه بـ”حملة الاعتقالات العشوائية” في حق الأفارقة، مؤكدين أن الترحيل يتم “في عمليات فاضحة تتنافى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. وطالبوا الحكومة الجزائرية باحترام الالتزامات الموجودة في الاتفاقيتين الدوليتين المعنية بحق العمال المهاجرين وحق اللاجئين، ووضع إطار قانوني وطني يحترم حقوق العمال المهاجرين.










