واشنطن تطالب سوريا بطرد الفصائل الفلسطينية: خطوة أمريكية جديدة للتقارب مع دمشق
كشفت مصادر دبلوماسية أن الإدارة الأمريكية قدمت طلباً رسمياً للحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع بطرد الفصائل الفلسطينية المتواجدة على الأراضي السورية، ضمن حزمة مطالب لبناء الثقة بين البلدين. يأتي هذا الطلب بعد أشهر قليلة من سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وسط تقارير عن رغبة أمريكية في إعادة صياغة العلاقات مع دمشق وفق معايير جديدة. وتشير المعلومات إلى أن طلب واشنطن يشمل إصدار إعلان يحظر جميع الفصائل والأنشطة السياسية الفلسطينية على الأراضي السورية، وترحيل أعضائها لتهدئة المخاوف الإسرائيلية، ضمن رؤية أوسع مرتبطة بخطة ترامب للشرق الأوسط التي تتضمن إعادة توطين فلسطينيين خارج أراضيهم.
خلفية سياسية: سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع
شهدت سوريا تحولاً سياسياً كبيراً في ديسمبر 2024، عندما قادت هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع هجوماً خاطفاً استمر 11 يوماً، أطاح بنظام بشار الأسد الذي حكم البلاد لعقود. بدأ الهجوم من محافظة إدلب، وانتهى بسقوط دمشق وفرار الأسد إلى روسيا يوم 8 ديسمبر 2024، مما فتح صفحة جديدة في تاريخ سوريا المعاصر.
وسرعان ما سعت واشنطن للتواصل مع السلطة الجديدة، حيث وصل وفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف إلى دمشق للقاء الشرع، في أول مهمة دبلوماسية أمريكية إلى العاصمة السورية بعد سقوط نظام الأسد.
خلال هذا اللقاء، أبلغت ليف الشرع بأن واشنطن ألغت المكافأة المالية البالغة 10 ملايين دولار التي كانت مخصصة لمن يدلي بمعلومات تساعد في اعتقاله، ورحبت بـ”الرسائل الإيجابية” التي أعرب عنها خلال المحادثات معه والتي تضمنت تعهداً بمحاربة الإرهاب. وقالت ليف بعد اللقاء: “بناء على محادثاتنا، أبلغته أننا لن نتابع تطبيق عرض برنامج مكافآت من أجل العدالة الذي كان سارياً منذ سنوات عدة”.
المطالب الأمريكية: طرد الفصائل الفلسطينية
وفقاً لمصادر مطلعة، قدمت واشنطن قائمة مطالب للحكومة السورية الجديدة لبناء الثقة بين البلدين، تضمنت طلباً واضحاً بطرد الفصائل الفلسطينية من سوريا. وبحسب التقارير الإعلامية، سلّم مسؤول في إدارة ترامب لوزير خارجية سوريا في بروكسل قائمة تتضمن مطالبة دمشق بإصدار إعلان يحظر جميع الفصائل والأنشطة السياسية الفلسطينية، ومطالبة دمشق بترحيل أعضاء الفصائل الفلسطينية لتهدئة المخاوف الإسرائيلية
كما تضمنت المطالب الأمريكية السماح بتنفيذ عمليات أمريكية لمكافحة الإرهاب على الأراضي السورية، مما يشير إلى أن واشنطن تسعى لإعادة صياغة علاقتها مع سوريا بشروط جديدة تخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
وتزامنت هذه المطالب مع إعلان التلفزيون العربي في 25 مارس 2025 أن إدارة ترامب طلبت من إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع طرد المقاتلين الأجانب، فيما اعتبره مراقبون جزءاً من صفقة أكبر لإعادة تأهيل سوريا دولياً وتخفيف العقوبات عنه.
خطوات عملية: الحكومة السورية تستجيب
بدت الحكومة السورية الجديدة متجاوبة مع بعض المطالب الأمريكية، حيث وجهت إنذاراً نهائياً للمجموعات المقاومة الفلسطينية العاملة في البلاد. وأمرت الحكومة السورية الجديدة المقاومة الفلسطينية بإلقاء أسلحتها وإغلاق معسكرات التدريب وسحب وحداتهم العسكرية من سوريا في أسرع وقت ممكن، وفقاً لتقارير إعلامية.
قال موقع Avia Pro الروسي المتخصص في الشؤون العسكرية: “إن موقف القيادة السورية الجديدة واضح: فلن تظل البلاد قاعدة للمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل”. وقد أكد ممثلو هيئة تحرير الشام أن القوات الأجنبية، بما في ذلك التشكيلات الفلسطينية، ليس لها مكان في سوريا.
وفي خطوة ذات صلة، توصل الشرع إلى اتفاق مع قادة “الفصائل الثورية” السورية في ديسمبر 2024 أسفر عن حل جميع الفصائل ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع، مؤكداً أنه “لن نسمح على الإطلاق أن يكون هناك سلاح خارج الدولة سواء من الفصائل الثورية أو من الفصائلالمتواجدةعلىالأراضيالسورية.
تحركات الفصائل الفلسطينية: إعادة التموضع
في مواجهة الضغوط المتزايدة، بدأت الفصائل الفلسطينية المرتبطة بنظام الأسد الساقط بإعادة تموضعها خارج سوريا. وفق “مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا”، فإن هذه الفصائل تشهد تغييرات تنظيمية كبير.
أعلنت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة”، أحد أبرز الفصائل الفلسطينية التي حاربت مع نظام الأسد، تعليق عضوية خالد جبريل في اللجنة المركزية، بسبب “مخالفات تنظيمية ومالية جسيمة”. وذكرت مصادر فلسطينية مقربة من “القيادة العامة” أن نقاشاً داخلياً يجري لنقل مقرها إلى خارج سوريا، خوفاً من الملاحقة نتيجة الانتهاكات التي ارتكبتها خلال فترة الثورة السورية.
كما أعلنت حركة “فتح الانتفاضة” عن عزل أمينها العام، زياد الصغير، من منصبه “لضرورة المصلحة الحركية بسبب مخالفات تنظيمية”، ونقلت مقر أمانتها العامة إلى لبنان. وأعلن فصيل “قوات الصاعقة” عن تعديلات قيادية “لتعزيز دوره الفلسطيني”.
موقف الشرع من القضية الفلسطينية
رغم الاستجابة لبعض المطالب الأمريكية، أبدى الرئيس السوري أحمد الشرع موقفاً داعماً للقضية الفلسطينية في تصريحات عدة. ففي مقابلة مع قناة الجزيرة، قال الشرع إنه لن يكون أخلاقياً أن يقود الرئيس الأمريكي جهداً لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، مضيفاً أن أهل غزة تحملوا العذاب والقتل والدمار خلال سنة ونصف ولم يقبلوا الخروج من أرضهم.
كما صرح الشرع في مقابلة أجراها مع بودكاست بريطاني أن خطة إخراج الفلسطينيين من أرضهم جريمة كبيرة لن تحدث، ولدى سؤاله عن خطة ترامب، أضاف الشرع بأنه لا توجد قوة تستطيع إخراج أصحاب الأرض من أرضهم.
ويبدو أن الشرع يحاول إيجاد توازن دقيق بين الاستجابة للمطالب الأمريكية التي قد تساعد في فك العزلة عن سوريا، وبين الحفاظ على موقف مبدئي داعم للقضية الفلسطينية لكسب الشرعية محلياً وإقليمياً.
خطة ترامب لتهجير فلسطينيي غزة: البعد الإقليمي
يندرج طلب واشنطن بطرد الفصائل الفلسطينية من سوريا ضمن سياق أوسع مرتبط بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط. فقد كشفت شبكة (سي بي إس) الأمريكية نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة أن إسرائيل والولايات المتحدة ترغبان بنقل سكان غزة إلى سوريا، ضمن خطة ترامب المثيرة للجدل.
وذكرت التقارير أن البيت الأبيض تواصل مع الحكومة السورية الجديدة من خلال طرف ثالث بشأن هذه الفكرة. واقترح ترامب أن تتولى الولايات المتحدة الأمريكية ملكية الأراضي التي دمرتها الحرب في غزة، والإشراف على عملية تأهيل طويلة الأمد وتطويرها كمشروع عقاري.
ولكن الشرع رفض هذه الفكرة بشكل قاطع في تصريحاته، مشيراً إلى أن الدرس الفلسطيني خلال ثمانين سنة من الصراع يتمثل في التمسك بالأرض.










